ولادة عيسى عليه السلام حدث عظيم

اقرأ في هذا المقال


ولادة عيسى عليه السلام حدث عظيم:

نعتقد أن كثيراً من الناس أنّ مريم هي ابنة عمران، وأخت هارون كما وصفها القرآن؛ قال سبحانه وتعالى: “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا “مريم:28. ولذلك لما ذهب صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى اليمن: إنكم تقولون: إنّ مريم بنت عمران، وتقولون: إنها أخت هارون، مع أن بين موسى وعيسى مدة تبلغ أحد عشر جيلاً، فكيف يتأتى هذا؟ وعجز الصحابة عن الإجابة، ولما عادوا قصوا القصة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: لهم النبي عليه الصلاة والسلام: “ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم”.
أي أنهم كانوا يتفاءلون بأسماء الأنبياء، فالمسألة تشابه في الأسماء فقط، إنها بنت عمران ولكنه ليس عمران أبا موسى، وأخت هارون وليس هارون أخا موسى عليهما السلام. فلما نذرتها أمها للخدمة ببيت المقدس، شاء الحق سبحانه وتعالى بعد أن كانت تفرغ للبيت المقدس مكاناً، أفرغت نفسها لخدمة البيت المقدس، قيماً، فتفرغت للقيم الدينية التي أنشيء من أجلها البيت المقدس، حتى إنها هجرت أهلها وذهبت إلى مكان بعيد تخلو فيه بعيداً عن الناس، فقال تعالى: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا” مريم:16.
وقوله تعالى: “انتبذت” أي: ابتعدت، نبذت نفسها عن الناس وعن أهلها، والإنسان يأنس بأهله، ولكنها ابتعدت عن أهلها، واتخذت من دونهم حجاباً أيضاً؛ لكن بُعدها هذا لا يمنع أن يمر عليها أحد. فاتخذت حجاباً تستترُ به عمن يمر عليها في هذا المكان؛ أي أرادت أن تعزل نفسها عن دنيا الناس وعن أُنسها بهم؛ لأنها اكتفت بأنسها بالحق سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: “مكاناً شرقياً” أي شرقي بيتها، أو شرقي البيت المقدس، واختارت جهة المشرق؛ لأنهم كانوا يتفاءلون بشروق الشمس؛ لأن سمةَ النور المادي أن يجعل الإنسان لا يتعثر في الأشياء، ويستطيع أن يسير فيه على هدى.

ماذا تعني الآية الكريمة “فأرسلنا إليها رُوحنا فتمثلت بشراً سويا”؟:

إن الحجاب هو ما يجعلهُ الإنسان حاجباً له عن غيره، وحاجبّاً لغيره عنه، وممعنى هنا كلمة الروح فلها إطلاقات متعددة في القرآن، أول هذه الإطلاقات التي نفهمها: أنها قوامُ حياتنا المادية، فإذا نفخ في الإنسان الروح يصير هذه المادة حسٌ وحركة ونشاط وكل أجهزتهِ تعمل، فقال تعالى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” مريم:71. وهو جبريل، وكلمة “فتتمثل” تعني أن هذه ليست صورتهُ وليست حقيقتهُ شيءٌ مختلف من نورانية وشفافيةٍ، وغير ذلك من الأجنحة مثنى وثلاث ورباع. وحقائق أخرى، ولكنه لم يظهر لها على حقيقتهِ وتمثل لها في صورةٍ بشر؛ لأنه لا يمكن أن يلتقي الملك بملكيتهِ مع البشر ببشريتهِ؛ ولأن هذا له قانون وهذا له قانون، فإما أنّ يتمثل الملك في صورة بشر، وإما أنّ الإنسان نفسه برقية الله؛ ليأخذ صفة الملائكيةِ كما رقى النبي محمداً عليه الصلاة والسلام في المعراج.
ليس من الممكن أن يتفاهم معهم الملك، إلا إذا تمثل في صورة بشرٍ وذلك من أجل الإيناس؛ لأن الناس لم يروا الملائكة، فربما لو رأوو الملك على صورته الحقيقيةِ يحدثُ لهم رعبٌ وفزع، فلا بدّ أن يتمثل في صورة بشر. إذن تمثيل جبريل لمريم عليها السلام في صورة بشر من جنسها؛ لأنها لم تكن لتطيق النظر إليه وهو في صورته الحقيقية.

ماذا كان قول الملك للسيدة مريم عليها السلام؟

لقد قال الملك للسيدة مريم عليها السلام: “قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا” مريم:19. أي أنا لستُ قادماً من تلقاء نفسي، ولكني رسول من عند ربك إليك. لم يقل: رسول الله تعالى؛ لأن الرب هو المتولي التربية، والذي تربية شيء يصونه عن أي إفساد؛ ولأن الربوبية عطاء مادي، أما الألوهية فعطاء معنوي للقيم والعبادة، وكلمة: “لأهَبَ لكِ” كان المفروض أن يفهم أنها هبة، فليست مسألة أسباب، ولكن الأمر هبة من عند الله. كما كان يحيى عليه السلام هبة من الله للنبي زكريا؛ لأن زكريا عليه السلام كان قد بلغ من الكِبر عِتيا وامرأتهِ كانت عاقراً لا تلد، لكن في مسألة مريم هناك أنوثة فقط بدون ذكورة. وقوله تعالى: “غُلاماً زَكِيّاً” هناك ذكي من الذكاء، وزكى أي مطهر وصافٍ ونقي، وحين قال لها الملك: “قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا” فقد كانت الفطنة تقتضي معرفة أنه هبة، وما دام هبة، فلا تسألي عن الأسباب.



شارك المقالة: