كيف استطاع سيدنا يعقوب تمييز رائحة قميص يوسف عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


يعقوب يشم رائحة يوسف:

لقد حمل الإخوة القميص وخرجوا من عند يوسف باتجاه أبيهم، فقال تعالى: “وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ” يوسف:94. وفصلت: تدل على أن شيئاً كان متصلاً وفصل، أي أن العير تجاوزت المدينة، وكانت تمشي وهي خارجة من المدينة في موكب واحد متصلة ببعضها البعض، فلما خرجت خارج المدينة، انفصلت عن بعضها، وذهبت كل قافلة إلى طريقها: “وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ” يوسف:94. ومعنى كلمة تفندون أي تتهمونني بالتخريف لكبر سني، وقوله: “إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ” أي أنه شمّ رائحة يوسف عليه السلام التي كانت في القميص، بالرغم من بعد المسافات، فقد كانت المسافة طويلةً بين القافلة المدينة التي فيها يعقوب عليه السلام، وهذا من دلائل النبوة التي أعطاها الله سبحانه وتعالى ليعقوب.
فالله سبحانه وتعالى يُلفتنا إلى هذه الحقيقة العلمية، وهي أنّ لكل إنسان رائحة خاصة لا يشاركهُ فيها غيره، ونبي الله يعقوب بما علمه الله عرف من رائحة قميص يوسف وأن يوسف ما زالَ حيّاً. وقوله “لما فصلت العير” لأن القافلة الكبيرة لما غادرت المدينة التي كان يقيم فيها يوسف عليه السلام، وكانت تضم عدداً كبيراً من الناس، فكانت رائحة قميص يوسف مختلطة بروائح كثيرةٍ، كم أن مباني المدينة كانت تحجزها، فلما خرجت القافلة من المدينة، وانقسمت إلى مجموعات صغيرة، وأخذت كلُ قافلةٍ منها طريقها إلى بلدها، أوصل الله تعالى رائحة يوسف عليه السلام إلى يعقوب عليه السلام عندما سمع من هم حول يعقوب قوله: بأنه يشمّ ريح يوسف؛ “قالوا تالله إنّك لفي ضلالك القديم” ولقد كان هذا القول عن جهلٍ طبعاً؛ لأن الله علّم يعقوب ما لم يعلموه وميزهُ عنهم، وهكذا اتهموا يعقوب بأنه يردد الخرافات التي كان يرددها حول يوسف عليه السلام، وليس المقصود بالضلال هنا ما يتعلق بالدين، ولكن المقصود به الجزيئات التي لا علاقة لها بالدين، كأن يقول: أنا واثق أن يوسف عليه السلام سيعود أو غير ذلك، فكانوا يعتبرون ذلك ضلالاً.

وصول القافلة التي بعثها يوسف عليه السلام إلى أبيه:

لقد وصلت القافلة وجاء الأخ الأكبر يحملُ قميص يوسف، وألقاهُ على وجه أبيه: “فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ” يوسف:96. في هذه الآية الكريمة دلائل الحق والنبوة، وكيف أن النبيّ يحسُ بالأشياء قبل الناس، ثم يأتي الواقع فيؤيد ما يقول، لذلك عندما يصلكم خبر من معصوم، فإياكم أن تقفوا بعقولكم فيه؛ لأن العقول تأخذ مدركات الأشياء على قدرها، وهناك أشياء فوق قدرة العقول، فإن حُدثتم بها فلا تكذبوا، خذوها وحتى وإن لم تفهموها، لأجل ذلك قال يعقوب: “أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ“. فقالوا لأبيهم: “قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ” يوسف:97. فقد شعروا بالذنب وعرفوا أن ذنوبهم كثيرة وتراكمت عليهم، وأنهم الآن معترفون بذنوبهم وأخطائهم، فقال لهم يعقوب: “قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” يوسف:98.

وفاة يوسف عليه السلام:

لمّا حضرَ يوسُف عليه السلام الموت جمعَ إليه قومه من بني يعقوب، وأوصى أخاه يهوذا على قومه، وعندما توفي كان يناهز من العمر”120″.
لقد اختلف أهلُ مصر في مكانِ دفنِه؛ وذلك لشدة رغبةِ الناس بالحصول علي بركتهِ، فاشتد القتال والعداء بين الناس وفي النهاية فقد اتفق الجميع على جعلهِ في صندوق من المرمرِ مطليٌ بالرصاص ويدفنوه في نهرِ النيلِ بحيث يمرّ عليه الماء وتصل بركته لجميع مصر وما حولها، وبقي مدفوناً هناك إلى أن أوحى الله إلى نبيّه موسى عليه السلام حين خرج من مصر ببني إسرائيل أن ينقل قبر سيّدنا يوسُف إلى بيتِ المقدسِ عند آبائه.
لم يعرف موسى عليه السلام أين دُفن يوسف عليه السلام، ولكن قيل إن هناك عجوزاً من بني إسرائيل تعرفُ مكان دفنهِ، فذهب إليها ليسألها، فأجابته بعد أن أخذت منه عهداً بأن يدعو موسى لها الله أنّ يردّ الله عليها شبابها إلى “17” عاماً، وأن يزيدَ الله في عمرها كمثل الذي مضى من عمرها فدعا نبي الله لها بذلك فأعلمتهُ بأنّ قبر يوسف عليه السلام في صندوق في النيل، فاستخرجه سيّدنا موسى من النيل واصطحبهُ معه لبيت المقدس ودُفن بقربِ أبيه يعقوب عليه السلام وجديه إسحاق وإبراهيم عليه السلام في مدينة الخليل، وهناك روايا تقول: أنّه دُفن في مدينة نابلس في فلسطين.
لقد أشار البعض إلى أنّ مكان دُفن يوسف عليه السلام لا يزالُ في مصر في نهر النيل، ومن المتعارف عند الجميع بأنّه لايوجد قبر نبي من أنبياء الله معروفٌ مكانه وتتعدد الروايات والقصص الكثيرة حول أماكنِ دفنهم عليهم السلام ما عدا قبر النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.


شارك المقالة: