اقرأ في هذا المقال
نفخ الروح في جسد آدم عليه السلام:
عندما تمت إرادة الله بخلق آدم جسداً، وتهيأ هذا الجسد إلى المرحلة الثانية عندما شاءت إرادته أن يجعله بشراً سويا، فنفخَ فيه من روحه، فإذا هو إنسان حي من لحمٍ ودم وعظم وعصب، يتحرك بإراتهِ، يُفكر ويسمع ويتكلم، إنها القدرةُ الإلهيةُ الفائقة التي خلقت آدم في أكمل صورةٍ وأحسن تقويم وهي القدرةُ الإلهية التي تخلق من العدم وجوداً، ومن السكون حركةً، ومن الجماد حياة وروحاً، فإذا التراب يتحرك وإذا الطين يتكلم، وإذا الجماد بشراً سويا، إنها إرادة الله الذي يقول للشيء كُن فيكون.
إنّ نفخ الروح كان هو المكرمة الثانية لآدم عليه السلام بعد خلقه بيده، فقال تعالى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين” الحجر:29. وقال تعالى أيضاً: “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثم جعل نسلهُ من سُلالةٍ من ماءٍ مهين ثم سواهُ ونفخ فيه من روحه”. السجدة:7-9.
وهذه الروح التي سرَت في آدم جاءت إليه بالحياة، وهي سرّ لا يستطيع الإنسان أن يصلَ إلى كنهها مهما أوتيَ من علمٍ وقوة، إنها سرٌ من أسرار الله لا نعلمُ شيئاً عن كننها، ولكننا نشاهدُ آثارها، فقد قال تعالى: “ويسألونكَ عن الرُوح قُل الروح من أمرُ ربي وما أُتيتُم مِن العلمِ إلا قليلا” الإسراء:85. فهكذا اتصلت الروح بالجسد فتم خلق الله خلقاً، فتبين فيه عظمة الخالق وروعة المخلوق وكيف لا وقد خلقه الله بيده، وكيف لا وقد نفخ فيه من روحه فتبارك الله أحسنُ الخالقين.
نفخ الروح عند أهل الكتاب:
يؤمن أهل الكتاب بأن الله قد نفخَ في آدم من روحهِ كما جاء في سفر التكوين، ونفخَ في أنفهِ نسمةُ حياةٍ فصار آدم نفساً حيةً. يقول شِراح الكتاب المقدس: أما الإنسان الداخلُ فقد أنشأتهُ نفخةُ الرب الإله، وهذه النفخة الإلهيةُ هي التي جعلت آدم نفساً حية، وهي أساس الخلود، فآدم لم يصر نفساً حية إلا بنفخة الرّب الإله.
فالتوراةُ تُخبرنا أن النفخة جاءت من أنفه إلى بقية أجزائه، فصار بذلك نفساً حية، وليس هناك في القرآن أو السنة ما يُثبتُ أن الروح دخلت إلى آدم أنفهِ، وعلى ذلك اعتبر علماء الإسلام أن نفخ الروح من أنفهِ عقيدةً يهودية، يقول محمد وصفي “وقد أيّد القرآن بأن آدم من ترابٍ، أما نفخ الروح من الأنف فهي عقيدةً يهودية”.
ونظرة اليهود إلى الروح نظرةً عنصريةً متعصبةً، إذ أنهم يعتبرون أنفسهم فوق البشر وأروحهم تختلفُ عن أرواح الناس، يقول الشيخ حسن خالد: أما نظرتهم إلى الأرواح فتختلفُ باختلاف أصحابها، فإن كان يهودياً فروحهُ متميزة عن أرواح الناس؛ وذلك لأنها جزء من الله تعالى، ولذلك فهي عزيزةً عليه، وإن لم يكن يهودياً فروحهُ روحٌ شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات.
ولقد أصبحت العنصرية تجري في دماء اليهود، فهم يزعمون أنهم شعبُ الله المختار، وقد استقوا عنصريتهم من توراتهم المحرفة كما جاء في سفر اللاويين أن الله قد ميّز اليهود من بين الشعوب: أنا الرب إلهكم الذي ميزكم من الشعوب وتكونون لي قديسين؛ لأنّ قدوس أنا الرب، وقد ميزتكم من الشعوب لتكونوا لي.
فقد اتخذ اليهود هذه النصوص ذريعةً لاستعباد البشرية واستِرقاقها كما جاء في سفر اللاويين: وأما عبيدك وإيمائك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم منهم تُفتنون عبيداً وإماءً، فإن اليهود يُعتبرون أن الأمم ما هم إلا حيوانات ووحوش.
دليل نفخ الروح في جسد آدم من السنة:
قالوا : يا رسولَ اللهِ ! مَتى وجَبت لكَ النُّبوَّةُ ؟ قال : “وآدمُ بين الرُّوحِ والجسَدِ” . الراوي أبو هريرة والحديث صحيح.
النُّبوَّةُ اصْطِفاءٌ من اللهِ تعالى، وقد اختارَ صَفْوةَ البَشَرِ؛ ليَكونوا المِثال الواقِعيَ الحَيَّ للمُثُلِ والقِيم الرَبانِيَّة التي ارْتَضاها للبَشَرِيَّةِ شِرعةً ومِنهاجًا.
إنّ في هذا الحديثِ يُخبِر أبو هُريرةَ رضِي اللهُ عنه أن أصحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قالوا: يا رسولَ اللهِ، متى وَجَبَتْ لك النُّبوَّةُ؟، أي متى ثَبَتَت لك النُّبوَّة، قال: وآدَمُ بين الرُّوحِ والجسدِ” يعني: ثَبَتَتْ نُبوَّتي بعدَ خَلْقِ جَسَدِ آدَمَ، وقبلَ نَفخِ الرُّوحِ فيه، والمعنى: أنَّ اللهَ كَتَبَ نُبوَتَهُ، فأظهَرها وأَعلَنَها بعدَ خَلقِ جسَد آدَمَ، وقبل نَفخِ الروح فيه، كما أَخبَرَ أنَّه يُكتب رِزقُ المولودِ وأَجَلُهُ وعَمَلُهُ وشَقاوَتُهُ وسَعادَتُهُ بعدَ خَلقِ جسَدِه، وقبلَ نَفخِ الرُّوحِ، ومحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ؛ فهو أعظَمُ الذرِيَّةِ قَدرًا وأرفَعُهُم ذِكراً، وهذا يَعني أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان نبيًّا منذُ ذلك الوقتِ في عِلْم اللهِ الأزليِّ”.