أصول الفقه في عهد التابعين

اقرأ في هذا المقال


كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين الصحابة يسألونهُ ويجيبهم، واستمر الإفتاء من بعده حتى في زمن الخلفاء الراشدين، فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يقضي بين الناس بالقرآن الكريم والسنة، فإن لم يجد جمع الصحابة وسألهم، هل نزل في هذا شيء وهكذا فعل الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- من بعدهِ ثم تفرق الصحابة في البلاد وأصبح لديهم من يأخذ عنهم من التابعين، ومن خلال هذا المقال سنبين الفقه في عصر التابعين.

الفقه في عصر التابعين:

لقد نشطت حركة العلم في عهد الصحابة وبدأت أولى بوادر العمل بالقياس، مثل حادثة الطاعون في الشام، والتي كان فيها خلاف بوجهات النظر بين عمر -رضوان الله عليه- وبين أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-، ولم ينكر أحد منهما استعمال الرأي والقياس، وتنامى القياس في عهد التابعين فظهرت مدرسة الفقه في عصر التابعين، وذلك للتوسع في رواية أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن قلل الخلفاء الأربعة منها كثيرًا خشية اختلاطها بالقرآن العظيم، ومن ثم بدأت بوادر ظهور مدرستين هما: مدرسة الحديث في المدينة، ومدرسة الرأي في الكوفة، فالمدينة كانت مهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولحده، كانت بعيدة عن الرأي متمسكةً بالحديث النبوي، بعيدةً عن الفتن المؤثرة في صفاء المنبع الإسلامي على عكس الكوفة، التي اتصلت بحضارات كثيرة، وإذا علم طالب العلم الأسبابَ التي دعت الفقهاء إلى الاختلاف في بعض المسائل، فإنه ينبغي عليه أن يعذرهم، ويترحَّم عليهم، فقد بذلوا وسعهم في خدمة دين الله تعالى وبيان أحكام الشريعة، وينبغي عليه كذلك أن يحذر من التعصب المذهبي، فكل هؤلاء الفقهاء على خير، ومَعِينهم واحد، وهو الكتاب والسنة وما بُني عليهما، وكلهم كان قصْدُهم واحدًا وهو بلوغ الحق.

نشأة مدرسة الحديث والأثر:

لقد ظهر مدرستان في زمن التابعين: مدرسة في منطقة الحجاز، ومدرسة في منطقة الكوفة، ولقد تميزة المدرسة الكوفية بأن الحديث عند أهل الكوفة أقل منه عند أهل المدينة، الأمر الذي جعل الكثير من الرأي يظهر في المدرسة الكوفية، والسبب في ذلك أن أهل الحجاز تأتيهم المسألة فيجدون فيها حديثًا فيعملون به، أمّا أهل الكوفة فلا يصلهم هذا الحديث إلا بإسناد ضعيف، فاحتاجوا إلى إعمال القياس، وامتازت مدرسة الحجاز بكثرة عدد الصحابة وأيضًا أنّ الأسانيد عندهم كانت أصح، فما كانوا يحتاجون كثيرًا للقياس لوفرة الحديث عندهم، ووفرة الصحابة بينهم، وعلو الأسانيد.

الموازنة بين مدرسة الحديث والأثر:

عندما أصبحت تصل الأخبار إلى أهل المدينة أن أهل الكوفة يقولون في المسألة الفلانية: كذا، فيقول أهل المدينة: هذا خلاف الحديث النبوي، بسبب ذلك بدأ التمايز بين المدرستين، بالإضافة إلى وجود المنافسة، ومن هنا بدأت تنشأ الردود إلى أن صار اللقاء بين محمد بن الحسن الشيباني والإمام مالك، كذلك القاضي أبي يوسف، والإمام الشافعي الذي أخذ عن فقهاء المدينة وعن الإمام مالك وعن فقهاء مكة ومسلم بن خالد الزنجي، وأيضًا أخذ عن تلاميذ الإمام أبي حنيفة كمحمد بن الحسن الشيباني مما خفف من حدة الخلاف، فنشأت مدرسة الحديث الفقهية في الحجاز في أواخر العصر الأموي، وزعيمها الإمام مالك، ومن بعده الإمام الشافعي، والإمام أحمد، وغيرهم.

مميزات المدرسة الفقهية:

إنّ من صفات هذه المدرسة الوقوف عند النصوص والآثار، والتمسك بظواهرها، دون بحث عن علة الحكم ولا يلجؤون إلى الرأي إن كان هناك نص أو أثر، وإن رواه واحد فقط، ما دام هذا الراوي ثقةً عدلًا، والاعتماد على الرأي في حالات الضرورة القصوى، أو الإجماع، ولا رأي الصحابي، وأيضًا التوقف عن الخوض في المسائل التي لم تقع فعلًا، أمّا مدرسة الرأي الفقهية فقد نشأت في العراق في أواخر العصر الأموي أيضًا، وزعيمها الإمام أبو حنيفة، حيث يذهب أهل الرأي إلى أن أحكام الشرع معقولة المعنى، تشتمل على مصالح ترجع إلى العباد، كما أنّها بنيت على أصول محكمة وعلل ضابطة لتلك الحكم.
و إنّهم كانوا يعملون على البحث عن الحكم الشرعي والعلل، ثم يربطون الحكم بها وجودًا وعدمًا، وتشددوا في العمل بخبر الآحاد، وذلك لأن الكوفة لم تكن موطن الحديث كما كانت المدينة، وفي الكوفة انتشرت كثير من البدع، ووضعت الأحاديث لتعضيدها، وكذلك انتهجت التوسع في استخدام القياس، وافتراض حوادث لم تقع، وإبداء الرأي فيها، من الفقهاء الأعلام الذين نبغوا في عصر التابعين فقهاء في أكثر الأمصار، ففي المدينة: نبغ فقهاء المدينة السبعة وغيرهم، وفي مكة: نبغ سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وطاووس وغيرهم، وفي الكوفة: علقمة والأسود وإبراهيم النخعي وغيرهم، وفي البصرة: الحسن البصري.

فقيه الفقهاء وسيد التابعين:

إنّ من علماء علم الفقه وأصوله في عصر التابعين الإمام العلامة “سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي”، فقيه الفقهاء وسيد التابعين، ولد في المدينة ونشأ وترعرع فيها وبها ثلة من صحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وأمهات المؤمنين، فنهل العلم منهم وروى الحديث عن كبار الصحابة كعمر وعثمان وأبي هريرة، عرف بورعه وتقواه، ومات بعد التسعين – رحمه الله تعالى- .


شارك المقالة: