أول قذف بالإسلام في قصة الإفك

اقرأ في هذا المقال


القذف:

القذف: هو نسبةُ آدمي لغيره بفعلة الزنا أو الفاحشة، أو قطع النسب. القذف: وهو أيضاً الرمي بالزنا أو اللواط، وإذا قذف المكلف المختار ولو أخرس بإشارة بفاحشة الزنى محصناً، حتى وإن كان مجبوباً أو ذات محرم أو رتقاء، فيُجلد القاذف ثمانين جلدةً، حتى وإن كان حراً. فقال تعالى: ” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً “ النور: 4.

أول قذف بالإسلام في قصة الإفك:

ويأتي أول قذف في الإسلام ما كان بين غير الزوجين ممّا يوجب الحدّ، أما إذا كان بين الزوجين، فقد توجّب اللعان وفي حديث أنس رضي الله عنه قال: أول لعان كان في الإسلام هو أن شريك ابن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته.
وعليه فقد اشتهر أول قذف في الإسلام بين غير الزوجين بقصة القذف الكاذب على عائشة رضي الله عنها، التي سميت قصتها باسم حادثة الإفك. وأنزل الله فيها آياتٍ تُتلى في سورة النور تبرئةً من الله للصديقةِ بنتُ الصديق وحبيبة نبيّ الله محمد عليه الصلاة والسلام إذا قال تعالى” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” سورة النور.
وأشار ابن القيم بقصة الإفك، وذلك بأن عائشة رضي الله عنها كانت قد خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في الغزوة بقرعة أصابتها، وكانت تلك عادته مع نسائه، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل، فخرجت عائشة رضي الله عنها لقضاء حاجتها، ففقدت عقداً لأختها كانت قد اعارتهُ لها، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه عندما ذهبت لتقضي حاجتها، فجاء النفر الذي كانوا يرحلون هودجها فظنوا أنها موجودةٌ فيه، فحملوا الهودج ولا ينكرون خفته؛ لأنها رضي الله عنها كانت فتية السن، لم يغشها اللحم الذي كان يثقلها، وإنّ النفر لمّا تساعدوا على حمل الهودج لم يُنكروا خفته، ولو كان الذي حمله واحداً أو اثنين فلا يخفى عليه الحال.
فرجعت رضي الله عنها إلى منازلهم وقد أصابت العقد، إذا أنها ليس بها داع ولا مجيب فمكثت في المنزل، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها والله غالب على أمره يدبر الأمر فوق عرشه كما يشاء، فغلب النوم على عيناها ولم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان صفوان غرس في أخريات الجيش؛ لأنه كان كثير النوم. كما جاء عنه في صحيح أبي حاتم وفي السنن فلما رآها عرفها وكان يراها قبل نزول الحجاب، فاسترجع وأناخ راحلتهُ وقَربها إليها فركبتها، وما كلّمها كلمةً واحدة، ولم تسمع منه إلا استرجاعه، ثم سار بها يقودها حتى قدم بها وقد نزل بها وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة، فلما رأى الناس ذلك تكلم كل منهم بشاكلته وما يليق به ووجد الخبيث عبد الله ابن أُبي متنفساً فتنفس من كرب النفاق والحسد الذي بين ضلوعه، وجعله يستحكي الإفك ويستوشيه ويشيعه ويذيعه ويجمعه ويفرقه، وكان أصحابه يتقربون به إليه.
فلما وصلوا المدينة أفاض أهل الإفك في الحديث ورسول الله صلى الله عليه وسلم صامتٌ لا يتكلم ثم استشار أصحابه في فراقها، فأشار عليه علي رضي الله عنه أن يفارقها ويأخذ غيرها تلويحاً لا تصريحاً، وأشار اليه أسامة وغيره بإمساكها وأن لا يكتركَ لكلام الأعداء، وقد حبس الوحي عن الرسول عليه الصلاة والسلام شهراً في شأنها، ثم بعد ذلك أتى الوحي ببراءتها، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمن صرّح بالإفك فحَدّوا ثمانين ولم يحدّ عبد الله ابن أُبي الذي كان رأس الفتنة في حادثة الإفك.

الحكمة والغاية من حادثة الإفك:

لقد أشير في تضاعيف هذه القصة إلى جملةٍ من الحِكم والأسرار التشريعية فيها، مثل استشارته عليه الصلاة والسلام لعلي وأسامة رضي الله عنهما، وتوقفه عليه الصلاة والسلام في شأن هذه الحادثة، وتأخر نزول الوحي. واختصروا على ما يتعلق بحدّ القذف، وهو إيراده رحمه الله تعالى عدداً من الوجوه في أن يجاوبوا عن هذا السؤال، ألا وهو: لماذا لم يقيم رسول الله الحدّ على عبد الله ابن أبي؟
الجواب: قيل لأن الحدود هي تخفيف على أهلها وكفارةً، والخبيثُ ليس أهلاً لذلك، لأن الله تعالى وعده بالعذاب العظيم في الآخرة فيُغنيه ذلك عن إقامة الحد عليه.
ويقال أيضاً، إن الحدّ لا يُثبت بالإقرار أو البينة، وهو لم يقر بالقذف ولا شهد به عليه أحد؛ فإنه إنما كان يذكره بين أصحابه، ولم يشهدوا عليه، ولم يكن يذكروه بين المؤمنين.
وقيلَ: أن حدّ القذف هو حقٌ لآدمي لا يكتمل إلا بطلبه، حتى وإن قيل أنه حقٌ لله، فلا بد من مطالبة المقذوف وعائشة لم تطالب به ابن أبي.
وقالوا البعض: ترك إقامة الحد لمصلحةٍ، هي أعظمُ من إقامته، كما تُرك قتله مع ظهور نِفاقه وتكلمه بما يوجب قتله مراراً، وهي تأليف قومه وعدم تنفيرهم عن الإسلام؛ فإنه كان مطاعاً فيهم رئيساً عليهم فلم تؤمن إثارة الفتنة في حدّه.


شارك المقالة: