اتهام موسى عليه السلام بالسحر

اقرأ في هذا المقال


اتهام موسى عليه السلام بالسحر:

يقول الحق تبارك وتعالى: “فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ” يونس:76؛ ذلك لأن السحر كان موجوداً عند الفراعنة، وكان الكهنة مشهورين بالسحر؛ ولذلك فهم ظنوا أنّ معجزات موسى سحر واعتقدوا أنه لا يغير طبيعة الأشياء، ولكن يسحرُ أعينهم، فيُخيلُ إليهم أنها قد تغيرت؛ ولذلك فإن موسى عندما اتهموا المعجزات التي جاء بها إنها سحر، قال كما يقصُ علينا القران الكريم: “قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ” يونس:77. أي أن موسى عليه السلام قال لهم: أنتم لا تفرقون بين الحق والباطل، إن ما أرسلني به الله من معجزاتٍ هو الحق، أتقولون عليه سحر؟ ولكن بعض الذين يتطاولون على القرآن يقولون إنّ الكلام جاء على لسانِ موسى وكأن موسى قد قال “إسحرٌ هذا” ولكنها جاءت بإسلوب الاستفهام ولم تأتي بإسلوب الاستفهام الإنكاري، نقول لهم: إذا أردت أن تؤكد شيئاً يصحُ أن تأتي بجملةٍ خبريةٍ منك، هم قالوا: إنّ هذا لسحرٌ مبين، وكان المفترض أن يقول موسى: لا ليس هذا السحر. ولكنه قال “أسحر هذا”؟ تماما كما تأتي لإنسان وأنت واثق من قضيتك وتقول له : أنا ارضى ذمتك هل هذا سحر؟ حينئذ لا يمكن إلا أن يقول: هذا ليس بسحر تماما. كما تذهب لتشتري قطعه من القماش الصوف ثم تشعل عود ثقاب وتقربة من فتلة من الصوف فتحترق، فتقول له: أهذا صوف يا رجل؟ فيقول هذا ليس صوفا.
إذن فاذا طرحت الأمر على الاستفهام الإنكاري يكون أبلغ من أن تقولة على أنه خبر، وقال موسى: أتقولون للحق لما جاءكم؟ أي: لا تحكموا على الحق بأن الذي جاء به هو موسى من عنده، ولكن انظروا إذا كان الذي جاءكم حقاً أم لا الله تبارك وتعالى: “قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ” أي أن هذا لو كان سحراً فإنه لن يفلح ولن يستمر ولقد قلنا: إنّ المعجزة التي يأتي بها الله سبحانه وتعالى على يدِ رسولٍ من الرسل ليُثبت صدقه في البلاغ عن الله. لا بد أن تكون من جنسِ ما نبغي فيه القوم؛ لأنه لو آتاهم بمعجزةٍ فيما لم ينبغوا فيه فيه لقالوا: لو تعلمنا هذا الفن أو هذا الشيء لجئنا بمثل هذه المعجزة. وقوله تبارك وتعالى: “ولا يُفلحُ الساحرون” فالفلاحُ هو الوصول إلى الثمرةِ، والثمرةُ لا تأتي إلا بعد مجهودٍ حرثٍ وبذر ورى، ثم تأتي الثمرة، ومنه فلح الحديد أي شقهُ؛ لأن الحديد ككتل وقطع لا يصلح لشيء إلا إذا شُكلت تشكيل المناسب لاستعماله، والسحرُ ليس حقيقةً ولكنه تخيل، والله سبحانه وتعالى أراد أن يُلفتنا إلى ذلك فقال: “ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ” الأعراف:116. وقال جلّ جلاله: “قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ” طه:66.
إذن فالسحرُ في طبيعتهِ لا يُغيرُ طبيعة الأشياءِ، ولكنه يُسحر أعينِ الناس فترى غير الحقيقة؛ ولذلك عندما أتى فرعون بأمهرِ السحرةِ، جمعوا حبالهم وعصيّهم وألقوها وخُيِلَ للناسِ أنها تسعى ولكنها كانت أمامهم حبالاً وعصيّاً؛ لأن أحداً لم يسحر عيون السحرة، ولكن السحرة سحروا أعين الناس، فكانت الحبال والعصا أمام الناس كأنها ثعابينٌ ضخمة تسعى، أما في أعين السحرة فهي حِبالاً وعصى؛ ولذلك لما ألقى موسى عصاه ورآها السحرةُ حيةً تلقفُ حِبالهم وعصيّهم، قالوا: هذا ليس من فعلِ موسى، بل من فعلِ ربّ موسى. وأدركوا أن هذه معجزة وليست سحراً، ولا يمكن أن يأتي بها موسى فأمنوا برسالته وسجدوا لله الذي أعطى موسى هذه المعجزة.

محاولة فرعون قلب الدفة على موسى عليه السلام:

وبعد ذلك انتقل فرعون إلى قضيةٍ أخرى فقال: “قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى” طه:57-58.
لقد أراد فرعون أن يستدعي الناس الذين استعبدهم ونصّب نفسهُ إلهاً عليهم على موسى وهارون وقال لهم، إنّ موسى قد جاء ليُخرجكم من أرضكم وبذلك يستعدي القوم عليهم حتى لا يستيجيوا لهما ويقفوا ضدهما؛ لأنهم يخشون أن يُخرجاهم من هذه الأرض التي يعيشون على خيرها حول النيل فأخبرهم أنّ موسى جاء ليُخرجهم من أرضهم بسحرهِ، فحول المسألة التي بينه وبين موسى وهارون، إلا مواجهة بين موسى وهارون من جانب، والرعيةِ من جانبِ آخر، وذلك؛ لأنه رأى أن الكلام الذي قاله موسى وهارون من الجائز أن يدخل على عقول الرعية فتفهمهُ وتؤمن به، فتمردَ على فرعون وتثورَ عليه، فأراد أن يزرع في قلوبهم عداوة موسى وكراهيتهِ حتى لا يستجيبوا له، فقال: لقد جئتنا يا موسى لكي تُخرجنا من أرضنا بسحرك، ونحن سنأتي لك بسحرٍ مثله.


شارك المقالة: