الاختلاف في المهر

اقرأ في هذا المقال


فالمهر: هو المال الذي يجب في عقد النكاح على الزوج لزوجته سواء بالتسمية أو بالعقد.
الاختلاف في المهر له ثلاثة حالات وهما: اختلاف في تسمية المهر، واختلاف في مقدار المهر أو جنسه أو نوعه أو صفته، واختلاف في قبض المهر المعجل.

اختلاف في تسمية المهر وعد تسميته:

اختلفت آراء الفقهاء في كيفية فصل النزاع في هذا الموضوع، بأن ادعى أحد الزوجين أو الورثة تسمية المهر، وأنكر الآخر، فقال الأول: سُمي المهر، وقال الآخر: لم نسم مهراً.

قال الحنفية: إذا كان الاختلاف في حال حياة الزوجين، حلف مُنكر التسمية، عملاً بالقاعدة المقررة: وهي البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر. فإن أنكر عن اليمين ثبتت التسمية، وإن حلف فقد وجب مهر المثل باتفاق أئمة الحنفية، فإن كان الاختلاف بعد الطلاق قبل الدخول تجب المتعة باتفاقهم أيضاً. وكذلك إن وقع الاختلاف بعد موت أحد الزوجين، فهو كالاختلاف في حال حياتهما، فمن كان القول له لو كان حياً يكون القول لورثته، فيحكم بالمسمى إن ثبت، وبمهر المثل إن لم يثبت.
وقال المالكية: إن أقام المدعي البينة على ما يدعيه قُضي له بما ادعى، وإن لم يقم البينة، كان القول قول من يشهد له العرف في التسمية وعدمها مع يمينه، فإن ادعى الزوج أنَّه تزوج المرأة تفويضاً بدون تسمية عند معتادي التفويض، وادعت هي التسمية، فالقول له بيمينه، ولو بعد الدخول أو الموت أو الطلاق، فيلزمه أن يفرض لها صداق المثل بعد الدخول، ولا شيء عليه في الطلاق أو الموت قبل الدخول. فإن كان المعتاد هو التسمية فالقول قول المرأة بيمينها، وثبت النكاح.
وقال الحنابلة: إن اختلف الزوجان أو ورثتهما أو أحدهما وولي الآخر أو وارثه في تسمية المهر فقال: لم نسم مهراً، وقالت: سمي لي مهر المثل، فالقول قول الزوج بيمينه في أصوب الروايتين؛ لأنَّه يدعي ما يوافق الأصل، ولها مهر المثل بالدخول أوالموت، فإن طلق ولم يدخل بها، فلها المتعة؛ لأنَّ القول قوله في عدم التسمية، فهي مفوضة.


أمّا الشافعية فقالوا: لو ادعت المرأة تسميته، فأنكر زوجها قائلاً: لم تقع تسمية، ولم يدّع تفويضاً، تحالفا في الأصح؛ لأنَّ حاصله الاختلاف في قدر المهر؛ لأنَّ الزوج يقول: الواجب مهر المثل، وهي تدعي زيادة عليه. وبالتحالف: ينتفي بيمين كل واحد منهما دعوى صاحبه، فيبقى العقد بلا تسمية، فيجب حينئذ مهر المثل.

الاختلاف في مقدار مهر المسمى:

إذا اختلف الزوجان في مقدار المهر المسمى، فقال الزوج: ألف، وقالت الزوجة: ألفان، والخلاف في حال قيام النكاح:
فقال أبو حنيفة: القول لمن شهد له مهر المثل بيمينه، وأيهما أقام البينة تقبل، فإن أقام الاثنان البينة، قدمت بينتها إن كان مهر المثل شاهداً للزوج؛ لأنَّها تثبت الزيادة، وتقدم بينته إن كان مهر المثل شاهداً للمرأة؛ لأنَّها تثبت الحط، والأصل في هذا أنَّ البينة تثبت خلاف الظاهر أي ما ليس بثابت ظاهر. وإن كان مهر المثل بينهما تحالفا، فإن حلفا أو برهنا قضي به، وإن برهن أحدهما قبل برهانه، لأنَّه أوضح دعواه بإقامة برهانه. والحاصل: أنَّ أبا حنيفة ومحمداً يحكّمان مهر المثل. لكن إذا كان الاختلاف في جنس المهر أو نوعه أو صفته من الجودة والرداءة، فيقضى بقدر قيمته.
وقال أبو يوسف:  تعتبر الزوجة مدعية؛ لأنَّها تدعي الزيادة على الزوج، والزوج منكر، فتطبق القاعدة:”البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر” فتطالب الزوجة بإقامة البينة على ما تدعيه، فإن أقامت البينة على ما ادعت قضي لها به، وإن عجزت عن إقامة البينة وطلبت تحليف الزوج اليمين، وجهت إليه اليمين. فإن امتنع عن الحلف قضي لها بما ادعت، وإن حلف قضي بقدر ما ذكره، إلّا أن يأتي بشيء قليل أي ما لا يتعارف مهراً لها، فيقضى حينئذ بمهر المثل. والحاصل: أنَّ أبا يوسف لا يحكِّم مهر المثل، بل يجعل القول قول الزوج مع يمينه إلا أن يأتي بشيء مستنكر، أي غير متعارف.
وقال المالكية: إذا تنازع الزوجان في مقدار الصداق: فإن كان قبل الدخول تحالفا وتفاسخا، وبدأت هي باليمين، ويقضى لمن كان قوله أشبه بالمتعارف المعتاد بين أهل بلديهما، ومن نكل منهما عن اليمين قضي عليه مع يمين صاحبه أي حلف الآخر، وقضي له بما ادعاه، ولا يفرق بينهما. وإن لم يكن قول أحدهما يشبه المتعارف تحالفا، فيحلف كل منهما على ما ادعى، ونفي ما ادعاه الآخر؛ لأنَّ كلاً منهما يعتبر مدعى ومدعى عليه، فإن حلفا أو امتنعا عن اليمين، فرّق القاضي بينهما بطلقة وإن كان الخلاف بعد الدخول، فالقول قول الزوج مع يمينه.

وقرر الشافعية: أنَّه إن اختلف الزوجان في قدرالمهر أو صفته أو أجله، تحالفا، ويتحالف وارثاهما، أو وارث أحدهما والآخر، ثم يفسخ المهر، ويجب مهر المثل، ولم ينفسخ النكاح.

ورأى الحنابلة: أنَّه إن اختلف الزوجان في قدر المهر بعد العقد، ولا بيِّنة لأحدهما على مقداره، فالقول قول من يدعي مهر المثل منهما، فإن ادعت المرأة مهر مثلها أو أقل، فالقول قولها، وإن ادعى الزوج مهر المثل أو أكثر، فالقول قوله. وهذا موافق لرأي أبي حنيفة ومحمد.

الاختلاف في قبض المهر المعجل:

إذا اختلف الزوجان في قبض المعجل من المهر، بأن ادعى الزوج أنَّه وافاها كل المعجل، وقالت الزوجة: لم تقبض شيئاً منه، أو قبضت بعضه.

فقال الحنفية: إن كان الخلاف بينهما قبل الدخول، كان القول للزوجة بيمينها، وعلى الزوج أن يثبت ما يدعيه بالبينة. وإن كان الخلاف بينهما بعد الدخول؛ فإن لم يكن هناك عرف بتقديم شيء، فالقول قول الزوجة بيمينها، وإن كان هناك عرف فيحكم العرف في النزاع على أصل القبض، بأن قالت الزوجة: لم تقبض شيئاً، فإن جرى العرف بتقديم النصف أو الثلثين، قضي عليها به، ويكون العرف مكذباً للزوجة في ادعائها عدم قبض شيء من المهر قبل الزفاف. وقد أفتى متأخرو الحنفية بعدم تصديق المرأة بعد الدخول بها بأنَّها لم تقبض المشروط تعجيله من المهر، مع أنَّها منكرة للقبض؛ لأنَّ العرف جرى بأنَّ المرأة تقبض المعجل قبل الزفاف. وإن كان النزاع في قبض بعض المعجل، بأن قالت الزوجة: إنَّها قبضت بعض مهرها، وادعى الزوج أنَّه سلمها كامل المهر، فالقول قول الزوجة بيمينها؛ لأنَّ الناس يتساهلون عادة في المطالبة بتسليم كل المهر بعد قبض بعضه، ويتم الزفاف قبل قبضه.

ووافق المالكية الحنفية في حالة الخِلاف في قبضِ المُعجل قبل الدخول أي القول قولها، ولكن بعد الدخول: فالقول قوله بعد الدخول بيمينه، إلا إذا كان هناك عرف معين فيرجِع إليه.

ووافق الشافعية والحنابلة الحنفية بدونِ تفرقةٍ بين ما قبل الدخول وبعده، فقالوا: إن اختلف الزوجان في قبض المهر، وادعاهُ الزوج، وأنكرت المرأة، فالقول هنا قولها؛ لأنَّ الأصل هو عدم القبض، وبقاء المهر.



شارك المقالة: