الإيمان في الحديث

اقرأ في هذا المقال


لقد كان الحديثُ الشَّريفُ متمِّماً لما جاء في القُرآنِ موضِّحاً لهُ شارحاً لعامِّهِ، ولذلِكَ كانَ لَهُ الأثَرُ العَظيمُ في إكمالِ شريعةِ الله تعالى، وكانَ موضوعُ الإيمانِ مِنْ أهمِّ المواضِيعِ الّتي حثَّ الحديثِ على فهمِهِ وتطْبيقِه، وسنَتَحدَّثُ في هذِه السُّطورِ عن الإيمانِ في الحديثِ.

مفهوم الإيمان:

إنَّ الإيمانَ في مُصْطَلَحِهِ التَّشْريعِيِّ يدُلُّ على الإعتقادِ الجازِمِ بكُلِّ أركانِ الإيمانِ قولاُ وعملاُ ويقيناُ بالقلْبِ، وأركانُ الإيمانِ هي: الأيمانُ باللهِ تعالى وملائكتهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليومِ الآخِرِ والقَدَرِ خيرِهِ وشَرِّه، وهذا الإعتقادُ يقومُ على العملِ بكلِّ ما يطبِّقُ هذهِ الأرْكانِ منَ العباداتِ والعقائِدِ، وهو ركنٌ منْ أركانِ العقيدَةِ أعلَى منَ الإسْلامِ الّذي يقومُ على العباداتِ وأدائِها، وقدْ جاءَ القُرْآنُ الكريمُ بالدعوةِ إليْهِ بصورةٍ عامَّةِ وجاءَ الحديثُ والسُّنَّةِ لبيانِهِ وشَرْحِهِ والدَّعوةِ إلى تطبيقِ ما يرَسِّخُهُ في النَّفسِ الإنْسانِيَّةِ ليكونَ دليلاً علَى قبولِ الإنْسانِ في الدُّنْيا ونجاةً لَهُ يوْمَ القِيامَةِ.

الإيمان في الحديث:

لقد كانَ للحديثِ النَّبويِّ دورٌ كبيرٌ في بيانِ الأيمانِ وأركانِهِ وتوضِيحِ مايرسُّخُه في النفسِ الإنْسانِيَّةِ ومن الأمورِ الّتي حثَّ عليها الحديثُ النَّبويُّ في الإيمانِ ودعا إليها ووبيَّنها:
1ـ الدًّعوةُ إلى الإسلامِ بالعباداتِ وأدائِها وبيانِ أثرها في الحياتينِ الدُّنيا والآخرة: فقدْ جاءَ في الحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ في سُؤالِ جبريلَ عليْهِ السَّلامِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عنِ الإسْلامِ قولُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (الإسلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إله إلَّا الله وأنَّ مُحَمَّداً رَسولُ اللهِ وتُقيمَ الصَّلاةَ وتُؤْتِي الزَّكاةَ وتَصومَ رَمَضانَ وتَحُجَّ البيتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إلَيْهِ سَبيلاً) وهذهِ العباداتُ تكونُ مقوِّمَةُ للنَّفسِ الإنْسانِيَّةِ ومثَبِّتَةً لَها لتَصِلّ إلى الإيمانِ الَّذي جاءَ في نَفسِ الحديثِ وهو قوْلُهُ عليْهِ الصَّلاةُ والسَّلام: (أنْ تؤْمِنَ باللهِ وملائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليوْمِ الآخِرِ وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ).
2ـ بيانُ مايُدْخِلُ المؤْمِنَ منَ الأعْمالِ والعقائِدِ الجَنَّةَ : وقدْ جاءَ الحديثُ ليبيِّنَ ماهيَةَ الأعْمالِ والعَقائِدِ الَّتِي تُدْخِلُه الجنَّةِ وتُنْجِيِهِ منَ النَّارِ، وهي ما قامَتْ علَى عِبادَةِ اللهِ وتوْحيدِهِ وإخْلاصِ الأعْمالِ للهِ تعالَى دونَ رِياءٍ أوْ نِفاقِ ظاهِرُه العمْلُ وسِرُّهُ دونَ ذلِكَ.
3ـ الدَّعْوَةُ إلى إقامَةِ حدودِ اللهِ والعَمَلِ بكُلِّ أرْكانِ الإسْلامِ وتطبيقِ شرْعِ اللهِ على جميعِ منْ يدينُ بدينِ الإسْلامِ بالمُساواةِ وعدَمِ التَّحَيُّزِ لأي أحَدٍ لِقرابَةِ أوْ لِجاهٍ أو لِمَنْصِبٍ: فقدْ جاءَ في الحديثِ التنَّبويِّ في المَرْأَةِ الَّتِي سَرْقَتْ منْ بَنِي مَخْزومٍ وأرادوا أنْ يَشْفَعوا لَها عنْدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ فقامَ يخْطُبُ علَى المنْبَرِ حتَّى قالَ: (والّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لوْ أنَّ فاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها).
4ـ بيانُ دَرَجاتِ الإسْلامِ والإيمانِ وشُعَبِهِ ومراتِبِه: فقدْ بيَّنَ الحديثُ النُّبويُّ الشَّريفُ أنَ النَّاسَ في الإيمانِ والإسْلامِ مراتِبَ ودرَجاتٍ، ويَكونُ ذلِكَ حسَبَ تطبيقِ تعاليمِ الإسلامِ والإيمانِ علَى النفْسِ وبقدْرِ الخَشْيَةِ منَ اللهِ ومنْ عذابِهِ وأهْلِيَّتِه سُبْحانَهُ وتَعالى على وُوجوبِ عبادَةِ الخَلْقِ لَهُ دونَ إِْشراكٍ بِهِ، وتقديمُ حُبِّ اللهِ ورّسولِهِ على غيْرِهِما، فقثدْ جاءَ في حديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ قالَ: (لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أَكونَ أحّبَّ إلَيْهِ منْ وَلَدِهِ ووالِدِهِ والنَّاسِ أجْمَعينَ.
5ـ الدَّعْوَةُ إلى تَفْضِيلِ أهلِ الإيمانِ لِما لَهُمْ منْ أهَمِيَّةِ ودورُ في نَشْرِ عَقيدَةِ التَّوحيدِ وصِفاتِ الإيمانِ منْ خلالِ سُلُوكِهمْ وأخْلاقِهِمْ. وأنَّ علَى الأمَّةِ أنْ يكونوا مؤْمنينَ هداةً داعينَ إلى اللهِ وعبادَتِهِ بأخْلاقِهِمْ وسُلوكِهمْ مِمَّا يَنْعَكِسُ على هذا الدِّينَ يالإيجابِ والقبولِ منْ غَيْرِهمْ، فقدْ جاءَ في الحَديثِ في صفاتِ الأنْصارِ وحُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَهُمْ: (لا يُبْغِضُ الأنْصارَ رجُلُ يُؤمنُ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ).

وضوح الإيمانِ بالسنة والحديث من النّبي صلّى الله عليه وسلم:

لقدْ كانَ لدعوة النَّبي صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّم دورُ كبيرُ في خَتْمِ رِسالاتِ الأنْبياءِ والمُرْسَلينَ مِمَّنْ كانوا قبْلَهُ، وتاكِيدِ ما جاءَ منْهُم، وكانَ لِسُنَّةِ النَّبيِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وحديثِهِ الشَّريفِ أثَرُ عظيمُ في تبيانِ الإيمانِ ومايَدُلُ عليْهِ ولمْ يُوَفَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ أجَلُهُ في الدُّنْيا إلَّا ووَضَّحَ كلَّ ما يَتَعلَّقُ بأُصولِ الإيمانِ والتَّوحيدِ والعقائِدِ الإسْلامِيَّةِ، وكانتْ وَصِيَّتُهُ في آخِرِ جَجَّةِ لَهُ في خُطْبَةِ الوَداعِ ما جاءَ في حديثِ جريرِ بنِ عبدِ اللهِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ قالَ لَهُ في حَجَّةِ الوَداعِ: (اسْتَنْصِتِ النَّاسَ) فقالَ: (لا تَرْجِعوا بَعْدِي كُفاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضِ)، ولمْ يَدعِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ شَيْئاً منَ الإصولِ والعقائِدِ إلَّا وقَدْ بيَّنَهُ للناسِ قبلَ موْتِهِ.


شارك المقالة: