الصلاة في الفلاة

اقرأ في هذا المقال


الصلاة بشكل عام هي: عبادةٌ ذات أقوالٍ وأفعالٍ مخصوصة، مُفتتحةٌ بالتكبير ومُختتمةٌ بالتسليم.
وفضلها : أنّ الصلاة من أهمّ أركان الإسلام بعد الشهادتين، بل هي عمود الإسلام، وقد فرضها الله على نبيهِ محمد صلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ليلة المعراج فوق سبع سموات، وذلك دليل على أهميتها في حياة المسلم، وقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ إذا حَزَنهُ أمرٌ فزع إلى الصلاة، وقد جاء في فضلها والحثّ عليها أحاديث كثيرة منها:
قوله صلَّى اللَه عَلَيْهِ وسلَّمَ: ” الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفّرات لما بينهنَّ ما اجتنبت الكبائر”.

قال الله تعالى (( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا )) ” النساء 103″ .
هناك أقوال لأهل العلم في هذه الآية .
قال أبو جعفر الطبري: إنّهُ اختلف أهل العلم والتأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم: معناها إنّ الصلاة كانت على المؤمنين فريضةً مفروضةً .


وقال بعضهم : معناها إنّ الصلاة كانت على المؤمنين فرضاً واجباً .
وبعضهم قال: إنّ الصلاة هي منجماً يؤدونها في أنجمها .
قال أبو جعفر الطبري: كلُّ هذه الأقوال قريب معنى بعضها من بعض؛ لأنَّ ما كان مفروضاً فهو واجب، وما كان واجباً أداؤهُ في وقت بعد وقت فمنجمٌ .
وبعضهم قال: أن هذه الآية تدلّ على أنّ الصلاة مفروضةً في وقتها، ودلّ ذلك على فريضتها، وأنّ لها وقتاً لا تصِحُّ إلّا به، وهو هذه الأوقات التي قد تقرّرت عند المسلمين، صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، وقد أخذوا ذلك عن نبيّهم محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: (صلّوا كما رأيتموني أصلي) .

تعريف الصلاة في الفلاة

قال عليه الصلاة والسلام: (الصلاة في جماعة تعدلُ خمساً وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة فأتمَّ ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة)” صحيح الترغيب ” .
والفلاة هي: الأرض التي لا ماء فيها” على قول النبيّ صلى الله عليه وسلم .

هل المقصود بالذي يصلي في فلاة هو من كان مُحافظاً على الجماعة، وصادف أن صلى يوماً في صحراء مثلاً ؟ أم المقصود أي شخص يصلي في فلاة أو في صحراء دائماً ؟ .

سنتعرف من خلال هذا الحديث على فضل الصلاة في الفلاة .

إنّ هذة الزيادة في الحديث المذكور” فإنْ صلاها في فلاة  فأتمَّ ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة “.
في الحديث المذكور قد اختُلِف في ثبوتها، وقد روى البخاري وأحمد وغيرهما هذا الحديث من دون زيادة فضل الصلاة في فلاة، ولعلَّهم لم يذكروها لِعدم ثبوتها عندهم، وعلى فرض ثبوت هذه الزيادة، فإنَّ المراد صلاة المسافر في الفلاة، كما يدلُّ على ذلك كلام شرّاح الحديث، ولكن هل المراد صلاته لها منفردا أم في جماعة؟ وقع الخلاف في هذا أيضا.

  • قال العراقي ــ رحمه الله ــ في طرح التثريب: قوله في حديث أبي سعيد عند أبي داود ( فإذا صلاها في فلاة )
    هل المراد منهُ صلاها في الفلاة في جماعة أو منفردا أو أعمَّ من ذلك؟ ” إلى أن قال ” وليس في الحديث ما يقتضي كونه منفرداً أو في جماعة؛ بل يحتمل كلّاً من الأمرين:
    الأمر الأول: فإن كان المراد به الجماعة في الفلاة : فإنّما ضعفت على الجماعة في المسجد، لأنّ المسافر لا يتأكّد في حقّه بالجماعة كما تتأكّد على المقيم، حتى ادّعى النووي أنّهُ لا يجري في المسافر الخلاف الذي في كونها فرض كفاية أو فرض عين لشغله بالسفر، فإذا أقامها جماعة في السفر ومع وجود مشقّةِ السفر ضُوعفت له على الإقامة فكانت بخمسين .
    الأمر الثاني: وإن كان المراد به فعلها منفرداً: فلِما ورد أن ” من أذن في فلاة وأقام وصلّى، صلّى معه صفٌ من الملائكة لا يرى طرفاهم ” فضوعفت صلاته لأفضلية الملائكة الذين صلوا معه .
  • أما بدر الدين العيني: فقد جزم بأن المراد بذلك صلاة الجماعة في الفلاة حيثُ قال:(( فَإِذا صلاهَا فِي فلاة فأَتمَّ ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلَاة)) أَي: بلغت صلَاته خمسين صلاة .
    والْمعْنَى: يحصل لهُ أجر خمسين صلَاة، وذلكَ يحصل لَهُ في الصَّلَاة مَعَ الْجماعة، لِأَنّ الْجماعَة لا تتأكد في حق الْمسافر لوجود الْمشَقَّة، فَإِذا صلاها مُنْفَردا لَا يحصل له هذَا التَّضْعيف، وَإِنَّما يحصل لَهُ إِذا صلاها مع الْجماعة خمْسة وعشْرونَ لأجل أَنه صلاهَا مَعَ الجماعة، وخَمْسة وعشْرونَ أُخرى للَتِي هي ضِعف تلْكَ، لأجل أَنه أتم ركوعَ صلَاته وسجودَها، وهو في السّفر الَّذِي هو مظَنَّة التَّخْفِيف، فَمن أمعن نظره فِيهِ علم أَن الْإِشْكَال الَذي أوردهُ بَعضهم فيه من لُزوم زِيَادَة ثَوَاب المَنْدوب على الواجب غير وارد .

تفسير حديث الصلاة في الفلاة

  1. وقال المناوي في فيض القدير (الصلاة في جماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة فأتمّ ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة، أي بلغ ثوابها ثواب خمسين صلاة صلاها بدون ذلك، وظاهره أنّ الصلاة مع الانفراد في الفلاة مع الإتيان بكمالاتها يضاعف ثوابها على ثواب صلاة الجماعة ضعفين، وكان وجهه أنه إذا كان في الفلاة منفردًا مع إتمام الأركان وتوفر الخشوع وغير ذلك من المُكملات يحضره من الملائكة ومؤمني الجن ما لا يحصى، ولم أر من قال بذلك).
    2. قال العيني في عمدة القاري((والمعنى يحصل له في الصلاة مع الجماعة لأن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود المشقة فإذا صلاها منفردا لا يحصل له هذا التضعيف، وإنما يحصل له إذا صلاها مع الجماعة خمسة وعشرين لأجل أنه صلاها مع الجماعة وخمسة وعشرون أخرى للتي هي ضعف تلك لأجل أنه أتم ركوع صلاته وسجودها وهو في السفر الذي هو مظنة التخفيف).
    3. وقال الشوكاني في النيل:( الحديث يدل على أفضلية الصلاة في الفلاة مع تمام الركوع والسجود وأنها تعدل خمسين صلاة في جماعة كما في رواية عبد الواحد، وعلى هذا الصلاة في الفلاة تعدل ألف صلاة ومائتين وخمسين صلاة جماعة، وهذا إن كانت صلاة الجماعة تتضاعف إلى خمسة وعشرين ضعفا فقط، فإن كانت تتضاعف إلى سبعة وعشرين كما تقدم، فالصلاة في الفلاة تعدل ألفا وثلاثمائة وخمسين صلاة، وهذا على فرض أن المصلي في الفلاة صلى منفردا فإن صلى في جماعة تضاعف العدد المذكور بحسب تضاعف صلاة الجماعة على الإنفراد وفضل الله واسع ) .

شارك المقالة: