المحكوم عليه شرعاً

اقرأ في هذا المقال


المحكوم عليه: هو الفرد الذي ارتبط بهِ خطاب الله عز وجل بفعله، ويسميهِ علماء الأصول بالمكلّف.

شروط صحة التكليف:


يشترط في الإنسان حتى يصح تكلیفه شرعياً: أن يكون قادراً بنفسه أو بالواسطة على فهم خطاب التكليف الموجه إليه، ويتصور معناه بالقدر الذي يتوقف عليه بالامتثال، لأنّ الغرض من التكليف الطاعة والامتثال، ومن لا قدرة لهُ على الفهم لا يمكنه الامتثال، والقدرة على الفهم إنما تكون بالعقل، وبكون خطاب الشارع ممّا يمكن فهمه ومعرفة المراد منه؛ ولما كان العقل أمراً باطناً لا يدرك بالحس، وغير منضبط، ومتفاوتة في أفراد الناس، فقد أقام الشارع البلوغ، الذي هو أمر ظاهر منضبط، مقام العقل لأنّهُ مظنته، وجعل مناط التكليف بلوغ الإنسان، وحط عنه التكليف قبل ذلك تخفيفاً عنه، ودليل ذلك، قوله عليه الصلاة والسلام:“رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ” صدق رسول الله ، فإذا بلغ الإنسان الحلم، وكانت أقواله وأفعاله جاريةً على حسب المألوف المعتاد بين الناس، ممّا يستدل به على سلامة عقله، حكم بتكليفه لتحقق شرط التكليف وهو البلوغ عاقلاً.

تكليف المجنون والصغير:


عند جمهور الفقهاء: أنّهُ لزومُ الزكاة في مال المجنون والصغير، وما ذهب إليه جميع الفقهاء: من وجوب نفقة القريب والزوجة وضمان المتلفات عليهما، فليس ذلك تكليف للصغير والمجنون، وإنّما هو تكليف لوليهما بأداء هذه الحقوق من مالهما، وإنّما وجبت هذه الحقوق عليهما؛ لأنّهما يملكان أهلية وجوب، ولا يكلف المجنون ولا الصغير مميزاً كان أو غير مميز عن أغلب العلماء.

اعتراضات على شرط التكليف :

  • أنّ تكليف من لا يفهم الخطاب قد ورد في الشريعة الإسلامية، فقد قال تعالى:“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ”صدق الله العظيم، فهذه الآية الكريمة تعني: إذا سكرتم فلا تقربوا الصلاة، فالسكارى في حال سكرهم مكلفون بالكفّ عن الصلاة، وهم لا يفهمون الخطاب إذًاً، فكيف يقال: إن شرط التكليف القدرة على الفهم؟
  • الجواب: إن الخطاب في هذه الآية ليس موجه إلى السكارى حال سكرهم، وإنّما هو موجه إلى المسلمین حال صحوهم بأن لا يشربوا الخمر إذا قرب وقت الصلاة، وكان ذلك في بداية الدعوة حتى لا تقع صلاتهم في حال سكرهم، وحتى يمكنهم أداء الصلاة كما ينبغي ويعرف البلوغ بظهور أماراته وعلاماته، فإن لم توجد؛ فالبلوغ يكون بالسن المقدرة لذلك، وهي: عشرُ سنوات للغلام والفتاة، وعلى هذا الرأي أكثر الفقهاء، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر بقوله تعالى : “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ“صدق الله العظيم.
  • إن الشريعة الإسلامية جاءت عامة لجميع الافراد، بدليل قوله تعالى: “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا”وقوله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”صدق الله العظيم، وقوله عليه الصلاة والسلام: “وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً”، وفي الناس غير العربي الذي لا يفهم اللغة العربية، لغة القرآن، وبالتالي لا يفهم خطاب الشارع، فكيف يوجه الخطاب باللسان العربي إلى من لا يفهمه ويكون مكلف؟ وهل هذا إلّا مصادمة لشرط التكليف وهو القدرة على فهم الخطاب؟
  • الجواب: إنّ إمكانية فهم الخطاب شرط لابد منهُ لصحة التكليف، فالذين لايفهمون اللسان العربي لا يمكن تكليفهم شرعاً، إلّا إذا كانوا قادرين على فهم خطاب الشارع، وذلك إمّا بتعلمهم لغة القرآن، أو بترجمة النصوص الشرعية أو معناها إلى الغتهم، أو بتعلم أقوام من المسلمين لغات الأمم غير العربية، وقيامهم بنشر تعاليم الإسلام وأحكامه بينهم بلغتهم، والطريق الأخير هو الطريق الأمثل، فمن الواجب الكفائي على المسلمين: أن يتعلم فريق منهم لغات الأمم غير العربية، ونشر الدعوة الإسلامية بينهم، وتبليغهم أحكام الإسلام بلغتهم التي يتكلمون بها، فإذا قصر المسلمون بهذا الواجب، أثم الجميع، مثل الحكم في الفروض الكفائية، وممّا يدل على أن هذا الأمر واجب على المسلمين ما يأتي: قوله تعالى: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”صدق الله العظيم،فهذه الآية تتضمن الأمر بتبليغ أحكام الإسلام.

شارك المقالة: