تقديم قوم فرعون إلى النار يوم القيامة:
يُعطينا الله تعالى الصورة المقابلة يوم القيامة؛ أي انّ الله تعالى أتى بصورة فرعون وقومه في الدنيا، وصورة فرعون وقومه في الآخرةِ، ففي الدنيا هم يتبعون فرعون بلا فهم ويعبدونه بلا فكر، وما داموا قد أتعبوه في الأولى فلا بدّ أن يتبعوه في الآخرة، ولا بدّ أن يكون هو قائدهم؛ لذلك يقول تبارك وتعالى: “يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ” هود:98.
فكما كان قائدهم في الدنيا، فهو قائدهم في الآخرة، وفي الدنيا كان قائدهم ومتقدمهم إلى المتعة والنعيم الدنيوي، وهم سائرون كلهم ورائه، فلا أحد منهم يحاول أن يسأل نفسه، كيف يكونُ هذا إلهاً وهو مخلوق، وقوله يُقدم قومه، أي يسير أمامهم ويتبعونه يوم القيامة، وفي القرآن آيات في شرح هذا الموقف فقال تعالى: “وَبِئْسَ الْوِرْدُ” أي فيها تحكم عليهم؛ لأنهم حين يذهبون إلى النار تأتيهم حرارةً شديدة فيريدون أن يذهبوا للماء، وقال الله تعالى: “وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ” أي عندما يسمع الإنسان كلمة ورد يأتي في باله ما يُذهب الضمأ ويردُ الحرارة، ويستبشر إنه سيشرب الماء، وبعد ذلك قوم حين يسمعون كلمة ورد يعتقدون أنّ فيه نجاة، ثم بعد ذلك يعرفون أنه ورد في النار، وأنه عذابٌ وليس رحمةً، ويقول تعالى في آيةٍ أخرى: “وليس لهم طعاماً إلّا من ضريع- لا يُسمِنُ ولا يُغني من جوع” الغاشية:6-7. وهي ساعة يسمع ليس لهم طعام أي منع عنهم الطعام ويحسون بالخزي، فإذا قال: إلا فكأنه سيعطيه بعض الطعام فيفرحون، فإذا قال إلّا من ضريع؛ أي تكون الحسرةُ حسرتين.
إنّ الله تعالى يقول لفرعون: “فاليومَ نُنجِيكَ ببدنكَ” أي بمعنى جسدك المجرد عن الروح، ولذلك جعل الله تعالى البحر يُلقي بجسد فرعون قبل أن يُصبح جيفةً، حتى يراهُ الذين عبدوا جسداً بلا روح؛ ليعرفوا أنهم قد عبدوا إلّهّاً غير قادر على أنّ يُعطي الحياة لنفسهِ، فكيف يعطي الآخرين الحياة؟ ولو أن فرعون غاص إلى أعماق البحر بعد غرقه، ربما قال أتباعه: إنه قد اختفى وسيعود، ولكن ظهوره كجسدٍ بلا روح يجعلهم يرون نهايته؛ لعلّها تكون عبرةً لهم حتى لا يعبدوا بشراً بعد ذلك؛ لذلك يُقال: إن سبب حفظ أبدان الفراعنة أن الله تعالى أعطاهم أسراراً تحنيط الجسد البشري؛ لكي تكون أجسادهم عبرةً لمن يجيء بعدهم، ويرى الناس أولئك الذين ادّعوا الألوهية وهم أجساداً لا حركة فيها ولا قدرةً، وأراد الله أنّ يُريَ قوم فرعون جسد فرعون، ذلك الطاغية الذي كان يدّعي الألوهيةِ ويقول: “ما عَلمتُ لَكُم مِن إلهٍ غيري”.