اقرأ في هذا المقال
توبة آدم عليه السلام في الإسلام:
قال تعالى: “وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ” الأعراف:22. لقد عاتب الله آدم وزوجه على ترك وصيته التي وصاهما إياها قائلاً لهما ألم أحذركم من الإقتراب من هذه الشجرة، وأحَذركما من هذا الشيطان اللعين، فقال تعالى: “فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ” طه:117. فَلم تَستمعا لكلامي، ولم تنتَصِحا بنصحي ولم تَنصتا إلى تحذيري، فأزلكُم الشيطان وأكلتُم من الشجرة التي نُهيتكم عنها.
لقد آدم وزوجهُ عتابُ الله عزّ وجل لهما فشَعرا بخطيئَتهما وأدرَكا أنهما وقعا في المعصية، فبادروا إلى الخضوع والتوبة والإنابة، فَسألا الله المغفرة والرحمة ولم يترددا في ذلك: “قالا ربّنا ظلمنا أنفُسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لَنكوننّ من الخاسرين”. الأعراف:23. فلسانُ حالهم يقول: يا ربنا إنّا أسأنا لأنفسنا وظلمناها بمعصيتك، وعدم اتباع أمرك والإنتصاحِ بنُصجك، وبِطاعتنا لعدوك، قد ابتعدنا عن الصواب، وإن لم تغفر لنا يارب وأنت عفّار الذنوب، وإن لم تستر علينا وأنت ستار العيوب وتغسلُ حَوبتنا وترحمنا بعطفك سنكون لا محالة من الخاسرين الهالكين في نار جهنم.
لقد كان سؤال آدم وزوجه لله من كل كيانِهما، متضرعين إلى جلاله وعظمته، منادينهُ بأسمائه الحسنى فَجاءهم النداء الخالد عبارة عن بلسماً شافياً له ولزوجه فقال تعالى: “وعَصى آدم ربهُ فغوى- ثم اجتباه ربه فتابَ عليه وهدى” طه:121-122. فآدم الذي خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمهُ الأسماء، وأسجد له الملائكة، لهو جدير بهذه المغفرة؛ لأنها أول زلة وأول تجربة له مع الشيطان، فقال تعالى: “فَتلّقى آدمُ مِن رَبِهِ كلماتٌ، فتابَ عَليهِ إنّهُ هو التواب الرحيم”.البقرة:36. فتاب الله عليهما وغفر لهما زلتِهما، فأثلجَ ذلك صُدورهما وقرّت به أعينهما وانبثق الأمل في نفسيهما بالبقاء في الجنة والتمتع بنعيمها، وقد علم الله ما جال بِخاطرهما، ووقف على ما تطلعت إليه أنفسهم.
لقد تلقى آدم وزوجه كلماتٍ من الله، رَدداها بقلوبهم المؤمنة، وبألسِنتهم الذاكرة، فاصطَفاهم الله تعالى فقال: “إنّ الله اصطفى آدمَ ونوحاً وآلَ إبراهيم” آل عمران:33. لم يبقَ للعصيان أثراً بعد توبة آدم وزوجه، فقد تم قبولها وتم اصطفاءهما، وقد ترتقي النفس وتسمو بعد المعصية إلى درجة أعلى منها قبل المعصية، بسبب التوبة والتضرع والاستغفار والإقبال على ما يرضي الله عزّ وجل.
وبهذه التوبة تفوق الإنسان على الشيطان، تغلبت نوازع الخير في داخله على وسوسة الشيطان، وتحقق قوله تعالى: “إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ” الحجر:42. وقوله تعالى أيضاً: “إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا” الإسراء:65. كانت التوبة لآدم وزوجه على حدٍ سواء فقد خاطَبهما الله من قبل، فقال تعالى: “ولا تقربا هذه الشجرة” البقرة:35. وتابا مع بعضهما بقولهما “قالا ربنا ظًلمنا أنفسنا” الأعراف:23. ولكن آية التوبة ذُكر فيها آدم دون زوجه وقال “فَتلقى آدم من ربهِ كلمات فتاب عليه” البقرة:37. وقوله أيضاً “ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى” طه:121. فالحمةُ من ذلك ما ذكره العلماء من أن المرأة تابعة للرجل في غالب الأمر، لذلك لم تذكر وقال الحسن أنه دلّ بذكر التوبة عليه أنه تاب عليهما إذ أمرهما سواء.
وقال بعضهم أن المرأة حرمة مستورة، فأراد الله الستر عليها، ولذلك لم يذكرها في المعصية بقوله: “وعصى آدم ربّهُ فغوى” طه:121. ولم يذكرها في التوبة ستراً لها وصوناً لحُرمتها وكرامتها، قال البيضاوي: وأكتفي بذكر آدم؛ لأن حواء كانت تبعاً له في الحكم، ولذلك طوى ذكرُالنساء في أكثر القرآن والسنة.
الفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس:
إنّ إبليس عصى، فعوقب باللعنة والطرد من الجنة، وجعلهُ الله خالداً في النار، وآدم عصى ربهُ فتاب عليه، وتلقى منه كلمات فاجتباه واصطفاهُ، فما هو الفرق بين هاتين المعصيتينِ. لقد أجاب العلماء على ذلك من خلال عدة وجوه.
- الوجه الأول: إنّ معصية إبليس كانت عن إصرار وتعمد، فعندما سأل إبليس: “قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين” الحجر:32. فأجاب إبليس مصرّاً على معصيتهِ: “قال لم أكن لأسجد لبشرٍ خلقتهُ مِن صَلصالٍ من حمإٍ مسنون” الحجر:33. فمن أجل إصراره على المعصية، لعنهُ الله وطرده، “قال فاخرُج مِنها فإنك رجيم وإنّ عليك لعنتي إلى يوم الدين” ص:77-78.
وهذا بخلاف معصية آدم فإن آدم عصى الله لكنه لم يعصمه عن عناد وغرور، بل كانت معصيةٍ عن نسيانٍ لعهد الله، فقال تعالى: “ولَقَد عَهِدنّا إلى آدم مِن قبل فَنسي ولم نجد لهُ عزما” طه:115. - الوجه الثاني: إن إبليس لم يُبادر إلى الاستغفار والتوبة بعدما علم بمعصيته لأمر الله، بل يتمادى في غيه رافضاً أوامر الله بالسجود لآدم قائلاً أن خيرٌ منه فقد خُلقت من نارٍٍ وخلقته من طين، في حين أن آدم عندما عاتبه الله قائلاً له: “وناداهُما رَبّهما ألم أنهكما عن تِلكما الشجرة وأقلُ لكما إنّ الشيطان لكم عدوٌ مُبين” الأعراف:22 طلبا من ربّهما المغفرة: “قالا رَبَنّا ظَلمنا أنفُسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين” الأعراف:23. فتضَرعا إلى الله بكلِ كيانِهما أن يغفر لهم خطيئتهم التي ارتكبوها، فجاءهم الردُ من الله تعالى: “فتلقى آدم من ربهِ كلمات فتابَ عليهِ إنّهُ هو التوابُ الرحيم” البقرة:37.
- الوجه الثالث: إنّ إبليس زاد في معصيتهِ وتوعدَ أنه سيغوي الإنسان ويُضلهُ، وسيقِفُ له في كلِ طريق ويمنيهِ الأماني الكاذبةِ، فقال تعالى: “قالَ فَبِما أغويتني لأقعدّن لهم صِراطَك المستقيم” الأعراف:16. أما آدم وزوجهُ فقد زاد في استغفار ربهما. فالفرقُ واضح بين معصية آدم ومعصية إبليس، لذلك كان مصير إبليس هو الطردُ واللعنةُ والخُلود في النار، وأما آدم فقد تاب الله عليه وغفرَ له واجتباه واصطفاه.
فهذه هي نتيجة المتكبرين ونتيجة المُستغفرين، فقال تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” البقرة:186. فهذه هي حكمة الله من عمل سوءاً يجزِ به فقال تعالى: “فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ– وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” الزلزلة:7-8. وهكذا فقد تحققت إرادة الله في إبليس وفي آدم عليه السلام.
توبة آدم عليه السلام عند أهل الكتاب:
لم يُشر الكتاب المقدس لا من قريب ولا من بعيد إلى توبة آدم عليه السلام، بل أنه تحدث عنه كواحدٍ مذنب عن عمدٍ وقصد بعد إغواء حواء له، ولم يعترف آدم بذنبهِ ولم تُثبت توبته، وأنه لم يستغفر الله ولو لمرةٍ واحدة حتى آخر حياته. فالكتابُ المقدس لا يحتوي على دليل واحدٍ يُثبتُ توبة آدم عليه السلام، وقد صرَح سِفر التكوين أن آدم قد اختبأ من وجه الرب حياءً دون تصريح بالتوبة.