حالات صلاة الجنازة

اقرأ في هذا المقال


صلاة الجنازة: في الإسلام هي الصلاة التي تُصلّى على الميت غير الشهيد عند المسلمين، وهي فرضُ كفاية .
والجنازةُ: بالفتح للميت، وبالكسر للنعش عليه.
وصلاة الجنازة تُصلّى على كلٍّ من الطفل، والشهيد، وعلى الغائب، وعلى المديون وعلى المنتحر والصلاة على تارك الصلاة، وسنتعرف في هذا المقال عن الصلاة على كلِّ واحد منهم:

الصلاة على الطفل:


روى البخاري أن الحسن البصري، كان يقول في الصلاة على الطفل: (اللهم اجعلهُ لنا سَلَفًا وَفَرَطًا وذُخْرًا) .
قال النووي: إن كان الميت صبيًّا أو صبيَّة، يقتصر على ما جاء في الحديث الذي رواه أحمد وأصحاب السنن: ( اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذَكَرِنا وأُنثَانا، وشاهدِنا وغائبِنا، اللهمَّ من أحييته منَّا فأحيه على الإسلام، ومن تَوَفَّيْتَه منا فتوفَّه على الإيمان، اللهمَّ لا تحرمنا أجره ولا تُضلَّنا بعده) .
فالصلاة على الطفل مشروعةً، وذلك تكريماً له، ” ويُضمّ إلى ذلك:( اللهم اجعله فَرَطًا لأبوَيه وسلَفًا وذخرًا وعظة واعتبارًا وشفيعًا، وثقِّل به موازينَهما، وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تَفتنهما بعدَه ولا تحرمهما أجره، وهذا في الطفل الذي مات بعد أن ولد وعاش .
“أما الطفل الذي ولد ميِّتًا فإن نزل قبل مرور أربعة أشهر على بَدء الحمل به فلا يُغَسل، ولا يصلَّي عليه ويُلَف في خِرقه ويدفن، وهذا ما اتَّفق عليه جمهور الفقهاء” .
فإذا نزل بعد أن تمَّ له أربعة أشهر فأكْثر “واستهل “يعني أنه ظهرت منه علامة تدل على أنه كانت فيه حياة فهذا لو مات يغسَّل ويصلى عليه باتفاق، فإذا لم “يَسْتَهِلَّ” فهناك اختلاف في الصلاة عليه.
فهناك تفسير من “الشيخ عطيه صقر” وهو من علماء الأزهر ــ رحمه الله ــ يقول:
من الأمر المتفق عليه بين الفقهاء أنَّ صلاة الجنازة على الميّت المسلم واجبة أو تعتبرفرض، والفرض كفائِي، أي بمعني أن البعض لو صلَّي علي الجنازة سقط الطَّلب عن الباقين وذلك امتثالاً لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها، ولترغيبه فيها، وأنّ مَنْ صلَّى عليها وتَبِعها حتى تُدفن، كان له قيراطان من الأجر، ومن صلَّي عليها ثمّ رجع كان له قِيراط واحد مثل جَبَل أُحد .” وهذا ما رواه مسلم وغيره” .
ولم يُستثنَ من وجوبها إلا” الشهيد” والسِّقط” الذي نزل من بطْن أمِّه قبْل أنّ تنهي حملها فيه .
والحكمة من ذلك هي تكريم أهل الميّت ومجاملتهم، وتوديعٌ له حين فارق أهل بيته ودنياه، والدُّعاء له أن يغفر الله له ويرحمه، حتى لو لم يكن قد اقترف إثماً ما، ومن أجل هذا صلَّي الصحابة على النبيّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ ، وإن كان الله قد غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، والطفل الذي لم يُكلَّف يصلَّى عليه للتكريم لابن آدم وللمجاملة، ففي الدعاء المفروض في الصلاة يُدعَى لأهله بالصبر .

الصلاة على الشهيد

إنّ الشهيد الذي قُتل في المعركة مع الكفار من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، فلا يغسل ولا يكفن بغير ثيابه التي قُتل فيها، بل يكفن بالثياب التي كان يقاتل بها، ولا يغسلُ أبداً .

فالشهيد: هو كل مسلم طاهر بالغ قتل ظلم، ولم يجب بقتله مال، ولم يرث، أي لم يصبه شيء من مرافق الحياة .
الشهيد في الإسلام: وقد جاء لفظ الشهيد في القرآن الكريم مرةً واحدة في قوله تعالى:(وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا) “النساء 72” .
وهو قولٌ منسوب للمبطلين، ساقه الله تعالى في القرآن للبلاغ، وكان وعدهُ الله تعالى لمن يُقتل في سبيله بالمغفرة والرحمة كاملةً لا ثواب بعدها، فقال تعالى:( وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) “آل عمران 157” .
قال الحنفية والحنابلة في رواية: أنه تجب الصلاة على الشهيد، ولا يُغسل ويدفن بثيابه وبدمه، والشهيد عند أهل الحنفية هو من قتله أهل الحرب، أو البغي أو قطاع الطريق، أو وجد في المعركة وبه أثر، أو قتله المشركون، أو قتله المسلمون ظلماً، ولم يجب بقتله ديةٌ .
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللَّهُ عنهما، قال:(كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجمعُ بينَ الرَّجُلَينِ مِن قتلى أُحُدٍ في ثوبٍ واحدٍ، ثم يقول: أيُّهم أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أُشيرَ لهُ إلى أَحدهما قدَّمه في اللَّحد، وقال: أنا شهيدٌ على هؤلاءِ يومَ القيامةِ، وأَمَرَ بِدَفْنِهِم في دِمائِهِم، ولم يُغَسَّلوا، ولم يُصلَّ عليهِم)” أخرجه البخاري” .

الصلاة على الغائب:


الأصل في صلاة الجنازة على الغائب أن تكون على ميت حاضر موجود بين يدي الإمام والمصلين، ويكون الميت موضوعاً على الأرض تجاه القبلة.
 وعن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: ما من ميت يصلي عليه أمّة من المسلمين يبلغون مئة كلهم يشفعون لهُ إلّا شفعوا فيه” رواه مسلم .
الصلاة على الغائب: وهي الصلاة التي تكون على من مات في بلد معين، أو قتيل أو أسير أو غريق .
وثمت هناك أقوال في هذه المسألة.
القول الأول: هو أنه لا يصلّى على ميتٍ غائب، وهذا قول الحنفية، والمالكية، والحنابلة؛ لأنّ من شروط صحّة صلاة الجنازة وضع الميت أمام المصلّي، واستقبال القبلة، فلو كان الميت الغائب في جانب المشرق، فإن استقبل القبلة في الصلاة عليه كان الميت خلفه، وإن استقبل الميت كان مصلياً لغير القبلة، وكل ذلك لا يجوز .
القول الثاني: قال الشافعية والحنابلة والمالكية، أنها تجوز الصلاة على الغائب في بلد آخر بالنية، فيستقبل المصلّي القبلة، وسواء أكان الميت في جهة القبلة أم لم يكن، وسواء أكان بين البلد مسافة القصر أم لم يكن، ويسقط شرط الحضور للحاجة ولتعذره .
ولا بدّ في صحة الصلاة على الغائب أنّ يعلم أو يظنّ أنه قد غسل وإلّا لم تصح؛ ولذلك لما روى أبو هريرة رضي الله عنه، (أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلّى، فصف بهم، وكبر عليه أربع تكبيرات ) ” أخرجه البخاري ومسلم” .
وإن كان الميت معه في البلد، لم يجز أن يصلّى عليه حتى يحضر عنده؛ لأنه يمكنه الحضور من دون مشقة .
وتتوقف الصلاة على الغائب بشهر؛ لأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه أشبه من في القبر .

إنّ الأصح من جواز الصلاة على الغائب عند الشافعية والحنابلة وما ترتاح إليه الأنفس ويطمئن له القلب عندهم هومايلي:
1. قوة الأدلة التي استدل بها الجمهور على قولهم، وهي أدلة صحيحه وصريحة في تشريع الصلاة على الغائب دون تمييز بين ميت وميت .
2. ضعف ما أستدلَّ به الحنفيه القائلون بعدم جواز الصلاة على الغائب .
3. قولهم أنّ الله تعالى رفع للنبي سريره حتى رآه بحضرته، فقال العلماء هذا يحتاج إلى نقل بينةٍ .

وردت عن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ روايات كثيرة أنه عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الغائب على عدد من الصحابة الذين ماتوا في أماكن بعيدة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يحضر موتهم ولا دفنهم وهؤلاء الصحابة الذين وقفت على الروايات الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام وتفيد أنه صلى عليهم صلاة الغائب أربعة وهم:

1 – النجاشي ملك الحبشة.

2 – معاوية بن معاوية الليثي أو المزني.

3 – زيد بن حارثة.

4 – جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم.

الصلاة على المديون

تجوز الصلاة على المديون ولو لم يترك وفاءً . وهذا ماقال به الجمهور .
وأما تركه ــ صلى الله عليه وسلم ــ للصلاة على مدين لم يخلف وفاء، فكان في ابتداء الإسلام ثم نسخ؛ لأنّ صلاته عليه الصلاة والسلام شفاعةٌ موجبة للمغفرة، ولم يكن حينئذٍ في الأموال سعة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله ــ صلّى الله عليه وسلم ــ كان يؤتى بالرجل المتوفى الذي عليه دين، فيُسأل هل ترك لدينه فضلاً؟ فإن حدث أنه ترك وفاءً صلى وإلا قال للمسلمين: “صلّوا على صاحبكم”، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: انّا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته، أو إن امتناعهُ من الصلاة لمن ترك عليه ديناً تحذيراً عن التقحّم في الديون لئلا تضيع أموال الناس، أو للتحذير عن الدين، والزجر عن المماطلة والتقصير في الاداء، أو كراهة أن يوقف دعاؤه بسبب ماعليه من حقوق الناس ومظالمهم .

الصلاة على المنتحر

إنّ قتل النفس من كبائر الذنوب ، وقد جاء الوعيد الشديد في حقِّ من فعل ذلك، ولكنَّه لا يخرج عن دائرة الإسلام ، وقد جاءت السنة بجواز الصلاة على المنتحر من عامة الناس ، والمشروع في حق الخاصة مثل أهل العلم والفضل ترك الصلاة عليه ردعاً وزجراً لكلِّ من فعل ذلك .

اختلف الفقهاء في الصلاة على قاتل نفسه على قولين:
ذهب المالكية والشافعية والحنفية إلى أنّ قاتل نفسه عمداً يصلّى عليه .
يعني إذا قتل نفسه ــ والعياذ بالله ــ عامداً يغسل ويكفّن ويصلي عليه ، ولكن ينبغي للإمام الأكبر ولمن له شأن أن يترك الصلاة عليه من باب الإنكار؛ لئلا يظن أنّه راضٍ عن عملهِ الذي قام به، فالإمام الأكبر أو السلطان أو القضاة أو رئيس البلد أو المسؤول عنها إذا ترك ذلك من باب إنكار هذا الشيء وإعلان أنّ هذا خطأ فهذا حسن، ولكن يصلي عليه بعض المصلّين.
استدلُّوا بعموم قول الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ” صلّوا على من قال لا إله إلا الله” ولأنَّه فاسق إثمه على نفسه غير ساعٍ في الأرض بالفساد، ولأنه عاصٍ وليس بكافر، وقتل النفس يعتبر معصية، وليس كفر .
قال الحنابلة: لا يصلي الإمام على من قتل نفسه متعمداً، ويصلي عليه سائر الناس، مستدلٌ في ذلك حديث جابر ابن سمرة قال: مرض رجلٌ، فصيّح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله ــ صلّى الله عليه وسلم ــ فقال له: إنّه قد مات. قال: وما يدريك؟ قال: أنا رأيته، قال الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ إنه لم يمت، قال: فرجع فصيّح عليه، فقالت امرأته: انطلق إلى رسول الله ــ صلّى الله عليه وسلم ــ فأخبره، فقال الرجل: اللهم العنه، قال: ثمّ انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص
(والمشقص هو سهمٌ عريض وله طرفٌ حاد) معه، فانطلق إلى النبي فاخبرهأانه قد مات، فقال: مايدريك؟ قال:
رأيته ينحر نفسه بمشقص معه، قال: أنت رأيته؟ قال: نعم، قال: إذاً لا أصلي عليه .

الصلاة على تارك الصلاة:

فالمتفق عليه بين الفقهاء هو أنَّ من ترك الصلاة وهو بالغ عاقل جاحداً لها ومستكبراً غير مقرٍّ بفرضها يكون مرتداً، إلّا أن يكون قريب عهد بالإسلام، ولم يخاط المسلمين مدةً يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه؛ لأنَّها من المجمع عليه المعلوم من الدّين بالضرورة .
ويكرّر عليه حتى يصلّي أو يموت، ويعامل معاملة المرتد، فلا يُغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين؛ لكونه كافرا خارج من الإسلام .
وأما من تركها كسلاً كما هو حال كثير من الناس فلا يكفر، بل يفسق، ويستتاب، فإنّ تاب وإلّا قتل حدّا لا كفراً، يُغسل ويكفن ويصلى عليه في مقابر المسلمين؛ لأنه مسلم مقتول حقاً .” وهذا قول مالك والشافعي، وهي رواية عن أحمد .
واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى:( نَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا) ” النساء 48″ .

وقال الحنفية: يضرب ويحبس حتى يصلّيها ولا يقتل .
وقال الحنابلة في رواية مرجوحة: من تركها كسلاً يقتل كفراً، فلا يغسل، ولا يكفن، ولا يدفن بين المسلمين. وهو مذهب الحسن، وأيوب السختياني، والأوزاعي .
فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ــ صلّى الله عليه وسلم ــ إنّ بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة .
والراحج ما ذهب إليه الجمهور؛ لقوّة ما استدلوا به، وأمّا ما استدل به القائلون بقتله كفراً فيحمل على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر، وهي القتل، أو أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو أنّ فعله فعل الكفار، والله أعلم .
وعن ابن مسعود قال، قال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ:( لا يحل دم امرئٍ مسلم يشهد أنّ لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: “الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) “أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين” .


شارك المقالة: