لقدْ خلقَ اللهُ الخلقَ وحمَّل ابنَ آدمَ أمانَةَ الإستخلاف في الأرضِ بما يرضي وجه اللهِ تعالى، ومنَ النَّاسِ منْ لمْ يقُمْ بما كُلِّفَ بهِ في حياتِهِ فعملَ السيئاتِ، فكانَ لهُ عقابُهُ في الآخرة، ومنْ أنواعِ العقابِ وأشدِّها عدمِ نظرِ اللهِ إلى العبدِ، فتعالوا نقرأُ حديثاً في أناسٍ لا ينْظرُ اللهِ إليهم يومَ القيامة.
الحديث:
يروي الإمامُ البخاريُّ رَحمهُ اللهِ في الصَّحيحِ: ((حدَّثنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا عبدُ الواحد بن زياد، عن الأعمشِ، قالَ: سمعتُ أبا صالحٍ يقولُ: سمعتُ أبا هريرَةَ رضيَ اللهُ عنْهُ يقولُ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (ثلاثة لا ينظُرُ اللهُ إليهمْ يومَ القيامَةِ، ولا يزكيهم، ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ كانَ لهُ فضلُ ماءٍ بالطَّريقِ فمنَعَهُ منِ ابنِ السَّبيلِ، ورجلٌ بايعَ إماماً لا يبايعهُ إلَّا لدٌنيا، فإنْ أعطاهُ منْها رضيَ، وإنْ لمْ يُعْطِهِ منها سَخِطَ، ورجُلٌ أقامَ سلْعتَهُ بعدَ العصرِ فقالَ: واللهِ الّذي لا إله غيرُهُ، لقدْ أَعطيتُ بها كذا وكذا، فصدَّقَهُ رجلٌ). ثمَّ قرأَ هذه الآيةَ ” إنَّ الّذينَ يشْترونَ بعهدِ اللهِ ثمناً قليلاً”. رقمُ الحديثِ: 2358 )).
ترجمةُ رجال الحديث:
الحديثُ يرْويهِ الإمامُ محمَّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ في الصَّحيحِ في بابِ الشُّربِ، بابِ إثمِ منْ منعَ ابنَ السَّبيلِ منَ الماءِ، والحديثُ منْ طريقِ الرَّاوي المُحدِّثِ أبي هريرةَ عبدُ الرَّحمنِ بنِ صخرٍ الدُّوسيِّ، وهوَ منَ الصَّحابَةِ المكثرينَ لحديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وأمّا رواة الحديثِ فهم:
- موسى بنُ إسماعيلَ: وهو موسى بنُ إسماعيلَ المنقريُّ الحافظُ، منْ تبعِ أتْباعِ التَّابعينَ، وكانتْ وفاتهُ في 223هـ .
- عبدُ الواحدِ بنُ زيادٍ: وهو عبدُ الواحدِ بنُ زيادٍ العبديِّ، منْ رواةِ الحديثِ منْ أتْباعِ التَّابعينَ، وكانتْ وفاتُهُ في 176هـ .
- الأعمشُ: وهو سليمانُ بنُ مهرانَ الأعمشُ، منْ كبارِ المحدِّثينَ منَ التَّابعينَ، وكانتْ وفاتُهُ في 145هـ .
- أبو صالح: وهو ذكوانُ السَّمَّانً المدنيُّ، منْ كبارِالتَّابعينَ ومحدِّثيهم، وكانتْ وفاتُهُ في 101هـ .
دلالة الحديث:
يشيرُ الحديثُ إلى عذابِ اللهِ عزَّ وجلَّ وعدَمِ نظرِهِ إلى ثلاثَةٍ بأعمالٍ عمِلوها في حياتِهمْ الدُّنيا وهمْ:
- مانعُ الماءِ عنِ ابنِ السَّبيلِ: وهو منْ كانَ عندَهُ فضلُ ماءٍ زائدٍ منعَ ابنَ السَّبيلِ منَ الشُّربِ واستعماله.
- رجل بايعَ إمامَهُ لمصلحةِ الدُّنيا: وهو منْ بايعَ إماماً أو سلطاناً أو صاحبُ نفوذٍ لكي يأخُذَ ويستفيدَ منْ أيِّ وجهٍ كانَ، فإنْ أعطاهُ مرادَهُ كانَ راضياُ ومبايعاً ومسانداُ لهُ، وإنْ لمْ يأخذ مرادَهُ سخِطَ وانقلبَ على منْ بايعَهُ، ولمْ يكن رضوانُ اللهِ تعالى في مقصدِهِ.
- الّذي يحلفُ على بيعِهِ: وهو منْ أرادَ انفاقَ سلعتِهِ فكَثُرَ حلفُهُ، وباعَ ما عندَهُ بحلفِهِ الكاذِبِ.
ما يرشد إليه الحديث:
منَ الدُّروسِ والعبرِ المستفادةِ منَ الحديث:
- عظمِ أجرِ الإنفاقِ على ابنِ السَّبيلِ وعدَمِ منْعِهِ منَ الصَّدَقةِ المستطاعة.
- قولُ الحقِ والبعدِ عنِ الباطِلِ في التَّعامُلِ معْ صاحبِ الولايَةِ.
- حرمَةِ الحلفِ الكاذِبِ وعذابًُ الله لصاحبه.