مفهوم حفظ الحديث النبوي
إن حفظ الحديث النبويّ الشريف يعني: مابذله أهل الحديث من جهود متواصلة من زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلينا بما وصل، مدوّناً، منقّحاً، مدروساً بسنده ومتنه وأحوال رجاله، محفوظاً في الصدور، ومكتوباً في السطور، وقد مربأطوار عديدة ومراحل حتى وصل الى العصر الحديث.
مراحل حفظ الحديث النبوي
أولاً : عصر النبي صلى الله علية وسلم
لقد علمنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم هو وحي من الله تعالى، مصداقاً لقول الله تعالى((وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)) سورة النجم ، ولقد علم الصحابة أهمية حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلم في بيان الدين ، في العبادات والمعاملات وغيرها، فعكفوا على تعلّم حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يتتبعون النبي صلى الله عليه وسلم أينما ذهب وحل، فيحفظون عنه الحديث النّبويّ الشريف عنه، ويعملون بما جاء فيه، وفي بداية الأمر لم يسمح النبي صلى الله عليه وسلم للصّحابة أن يكتبوا غير القرآن، لكي لا ينشغل الصّحابة بالحديث عن القرآن الكريم، ولكي لا يختلط القرآن الكريم بالحديث عندهم، ففي ماروي في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال: (لا تكتبوا عنّي ومن كتب عنّي غير القرآن فليَمحُه، وحدِّثوا عني ولاحرج )، وبعد مرور الوقت سمح النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الصّحابة بكتابة الحديث النبوي كعبدالله بن عمرو بن العاص صاحب الصحيفة الصادقة، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو من أكثر الصحابة رواية للحديث النّبويّ الشريف أنّه قال: ((لا أعلم أحداً أعلم مني بحديث النّبي صلى الله عليه وسلّم إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص فإنّه كان يكتب ولا يكتب))، فكان مع إهتمامهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم يعطي التركيز والإهتمام للقرآن الكريم.
ثانياً : عصر الصحابة والتابعين
لقد بقي الإهتمام عند الصحابة بالحديث النبوي الشريف بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم، مع الحيطة والحذر في قضة تدوينه ، فهاهو عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يفكر في تدوين السنّة النبوية الشريفة ثم يتراجع بعد ذلك، وكانت سيدتنا عائشة رضي الله عنها تنهى عن كتابة ما روت عن النبي صلى الله عليه وسلّم.
ثم بقي الأمر هكذا حتى تغيرت وتطورت الحياة في الدولة الإسلامية، ودخل الإسلام كثير من العجم وغير العرب، وظهرت الحاجّة الملحّة لتدوين الحديث النبوي ، مع موت كثير من الصّحابة الّذين كانوا يحفظون الحديث النبوي عن النّبي صلى الله عليه وسلم، فبدأت بدايات جمع الحديث النّبويّ عن علماء من أمثال الإمام الأوزاعي، وسفيان الثوري وغيرهم من علماء القرن الثاني.
ثم انتقل الحديث الى مرحلة التجديد والبحث العلمي، وكان ذلك في القرن الثالث الهجري،فظهرت في هذا القرن الموطآت والمسانيد، وانتشر الكثير من الحفّاظ كيحيى بن معين والدّارميّ و،اسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل.
وظهرت بعد ذ لك المصنّفات كألصحّاح مثل صحبح البخاري ومسلم ، وأصحاب السنن كأبوداوود والنّسائي ، والمصنّفات كمصنّف ابن أبي شيبة والمسانيد كمسند أحمد وغيرها من كتب الحديث، وبقيت حتى القرن الخامس وظهور مرحلة جدية في نقد الحديث والتصحيح والتضعيف وعلم الجرح والتعديل الّذي يبحث في أحوال الرجال.
ثالثاً: العصر الحديث
بقيت علوم الحديث تُدْرَس وتُدَرَّس لطلبة الحديث النّبويّ الشريف وللأمة الإسلامية، حتى عصرنا الحديث فظهر من أهل الحديث علماء أرجعوا الأمة للحديث وعلومة ونقله وتدوينه، كالإمام الألباني، وأبو إسحاق الحويني وغيرهم .