الاقتراض من المعاملات المالية التي يلجأ إليها الكثير من الناس لتغطية متطلباتهم وتوفير حاجياتهم، وهناك مَن تتراكم عليه الديون، ولم يستطع تسديدها في حياته، بسبب سوء أوضاعه المادية، وقد لا يقدر الورثة في بعض الأحيان أن يُسددوا هذه الديون، فهل يجوز لشخص آخر أن يقوم بتسديد ديون الشخص المتوفى من زكاة أمواله؟
حكم قضاء دين المتوفى من الزكاة:
في حال ترك المتوفى مال للورثة، يجب عليهم أن يُوفوا بما عليه من دين، قبل التصرف بأي شيء من أموال التركة، أي قبل تنفيذ الوصية، وقبل تقسيم المال على الورثة.
فإن تم سداد الدين عن المتوفى وتنفيذ وصيته، يَحق للورثة تقاسم ما بقي من التركة، ويتم التقسيم كل حسب حقه استناداً لأحكام نظام المواريث في الشريعة الإسلامية، قال تعالى: “مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ” سورة النساء آية 11.
ويجب على مَن يقوم بقضاء الدين عن الشخص المتوفى من الورثة، أن يأخذ بإذن باقي الورثة ويتحقق من رضاهم في قضاء الدين، في حال لم يترك المتوفى من المال ما يُقضى به الدين، ولا تبرأ ذمة المتوفى من الدين، إلّا إذا تبرع أحد ورثته بمبلغ من المال لقضاء دينه باختياره ورضاه.
ويبقى الدين معلقاً في ذمة صاحبه المتوفى، إن لم يقم أحد بقضائه عنه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ” سنن الترمذي.
قضاء دين المتوفى من مال الزكاة:
اختلف علماء الفقه في مسألة تسديد ديون المتوفى من مال الزكاة، فقال بعضهم: إنّ قضاء دين المتوفى من مال الزكاة غير جائز؛ لأنّ الأصل في دفع مال الزكاة للمستحقين، هو تمليك المال لهم، وهنا لا يمكن تمليك المال للشخص المتوفى عن طريق تسديد ديونه.
وأيدهم آخرون بأنّ دين المتوفى لا يمكن قضاؤه من مال الزكاة، لعدم تحقق أهلية الشخص المتوفى في قبول المال، وأنّ إباحة هذا الفعل لا يعني التمليك.
وردّ عليهم بعض الفقهاء بجواز قضاء دين المتوفى من مال الزكاة، استناداً إلى الدلالة العامة في الآية التي ذكرت مصارف الزكاة، حيث شملت الغارمين من الناس، سواء كان هذا الغارم حياً أو ميتاً، واعتمد هذا القول الشافعية والمالكية من الفقهاء.
وأكد بعض الفقهاء على ذلك بأنّ دَين المتوفى أولى بالوفاء من دين الحي، فدين المتوفى لا يُرجى سداده، بعكس دين الحي الذي يمكن الوفاء به في يوم ما قبل وفاته.
وبناءً على ما سبق يجب متابعة قضاء دين المتوفى مما يترك من المال، فإن لم يترك شيئاً، ولم يأتي أحد من ورثته للتبرع وقضاء ما عليه من دين، يبقى في ذمته، لذلك لا حرج على المزكي أن يقضي دين المتوفى من زكاة أمواله، بناءً على ما أكده بعض الفقهاء في صحة ذلك.