آراء في جواز تقنين التعزير:
نرى أن لولي الأمر تعيين العقوبة أو العقوبات في كل جريمة مقدماً، وجُعِل تطبيقها أو الاختيار فيما بينها وجوبياً على القضاة أو جوازيّاً لهم، على أن يُراعي في ذلك توسيع سُلطتهم حتى يعطوا لكل حالة دواءها الملائم في سهولةٍ ويسر، وعلى أن يجري تعديل هذه العقوبات كلما وجدت في التعديل مصلحة، أو دلّ عليه العمل.
المؤيدون في جواز التقنين:
إن الذي يؤيد هذا الرأي هو عدة أمور وهي:
- إن التفويض في التعزير أو عدمه لم يرد فيه نص خاص من الشارع على ما ظهر لي، إذ أنه لم يُعثر على أي نص يقضي بتفويض التعزير إلى القاضي من كتابٍ أو سنة. أما أقوال الفقهاء وما جرى عليه العمل في أمصار الإسلام أيام أن كان الحكم الإسلامي سائداً بالنسبة للتفويض، فإن ذلك كان لمصلحةٍ، وهذا لا يمنع من نبذ التفويض الآن على الوجه الذي قال به الفقهاء، إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك والمصلحة مصدر من مصادر التشريع.
- كما أن الفقهاء نصوا على تفويض التعزير إلى رأي الإمام وإلى رأي الحاكم وإلى رأي القاضي، فهم قد استعملوا هذه العبارات للدلالة على معنى واحد، وهو تفويض التعزير إلى من له ولاية الحكم والقضاء، ولم يريدوا بذلك في اعتقادي أن يكون التفويض مقصوراً على من يُباشر الحكم في الحادثة المعروضة دون غيره، ولو أرادوا ذلك ما استعملوا هذه التعبيرات كلها، ولاَقتصروا على ما يُفيد قصر التفويض على الذي يُباشر الحكم في الحادثة.
- وأن التفويض المطلق غير مسلم به عند من قال بالتفويض من الفقهاء، بل قيدوه بالقيود التي ذكرنا بعضها. وأهم هذه القيود فرض حدين في عقوبة الجلد تعزيراً لا يخرج عنهما القاضي، ووضع حد للنفي تعزيراً لا ينبغي تجاوزه عند البعض، كما أن بعض الفقهاء، قال بعدم التفويض على ما سلف بيانه.
- وأن تعيين العقوبات مقدماً لا يُنافي التفويض، إذ إن أغلب العقوبات ستكون ذات حدين، الأول أدنى والآخر أعلى، وذلك فضلاً على أن تُطبق بعض العقوبات سيكون جوازياً للقاضي. ويمكن وضع ضوابط أخرى يكون من شأنها جعل سلطان القضاة واسعاً في الحدود المنصوص عليها، ممّا يُساعد على خير وجهٍ في تقدير ظروفِ كل جانٍ على حدة، وظروف كل جريمة، ومختلفُ الظروف والأحوال، وعلى تطبيق العقوبات المناسبة لكل حالةٍ في الحدود التي توضع لهم.
- وزيادةً على ما تقدم، فإن تحديد الضوابط ورسم الحدود مقدماً سيُعين القضاة على مواجهة ما يعرض لهم من مشكلات، ويُساعد على وجود الانسجام النسبي بين أحكام نفس القاضي في ظروف وأوقات مختلفة، وبين أحكام القضاةِ فيما بينهم، وبين أحكام القضاة عموماً تبعاً لاختلاف الأزمنة والأمكنة، وهذا أقربُ للعدالة والمصلحة.