رأي الشيخ العلامة ابن صالح العثيمين في قصر الصلاة

اقرأ في هذا المقال


رأي الشيخ العلامة ابن صالح العثيمين في قصر الصلاة:

لقد كان رأي ابن عثيمين في قصر الصلاة على عدةُ حالات وهي كما يلي:

– الحالة الأولى: وهو أن ينووا الإقامة المُطلقة في بلاد الغُربة كالعمال المقيمين للعمل والتجار المقيمين للتجارة وسُفراء الدول، وغيرهم ممن عزموا على الإقامة إلا لسببٍ يقتضي نزوجهم إلى أوطانهم فهؤلاء في حكم المستوطنين في وجوب الصوم عليهم، وإتمام الصلاةُ الرباعية، والاقتصار على يومٍ وليلة في المسح على الخفين.

-الحالة الثانية: وفي هذه الحالة هو أن ينووا الإقامة لهدفٍ معين غير مقيد بزمن، فمتى ينتهي هذا الهدف عادوا إلى أوطانهم مثل التجار القادمين لبيع السلع أو شرائها أو القادمين لمُهمات تتعلق بأعمالهِم الرسمية أو لمراجعة دوائر حكومية، وغير ذلك ممن عزموا على العودة إلى أوطانهم بمجرد انتهاء الأمر الذي جاءو من أجله، فهؤلاء في حكم المسافرين، وإن طالت مدة انتظارهم، فيحقُ الترخص برخص السفر من الفطر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية، ومسحُ الخفين ثلاث أيامٍ وغير ذلك ولو بقوا سنوات عديدة، وكان هذا هذا قول جمهور العلماء بل حكاه ابن المنذر إجماعاً.

لكن لو ظن هؤلاء أو غرضهم لا ينتهي إلا بعد المدة التي ينقطع بها حكم السفر كما لو ظنوا أنه لا ينتهي إلا بعد أربعة أيام مثل فهل لهم الترخص على قولين ذكرهما في الإنصاف، وقال عن القول بالجواز: جزم به في الكافي ومختصر ابن تميم، قال في الحواشي: وهو الذي ذكره ابن تميم وغيره.

-الحالة الثالثة: وهي بأن ينووا الإقامة لغرضٍ معين ومقيدٍ بزمن، ومتى انتهى أمرهم وغرضهم عادوا إلى أوطانهم، فقد اختلف أهل العلم  في حكم هؤلاء فالمشهور من مذهب الحنابلة هو أنهم إذا نووا الإقامة أكثر من أربعة أيامٍ انقطع حُكم السفر في حقهم فلا يترخصون برخصةٍ من الفطر والقصر والمسح ثلاثة أيام، وقيل: إقامة أربعة أيامٍ اتموا، وإنّ نووا دونها قصوراً.

ثم ذكر بقية مذاهب الأئمة، واختار أنه مسافر حيث لا دليل على ما سواه من الكتاب أو السنة، بل ذكر أن أحادث قصر النبي عليه الصلاة والسلام في الحجّ وقصره بمكة عام الفتح وبتبوك تدل على ما قال، وقد ذكر من أقوال ابن عمر وابن عباس ما ظاهره أنه موافق لما ذهب.

والتعقيب على رأي ابن عثيمين هو: ما ذكرهُ فضيلتهُ هي حالات المغترب الذي اختار السفر بمحض إرادتهِ، ثم قصد بسفره هذا الإقامة لإنهاء ما سافر من أجله. إلّا أنه بقي ثلاث حالات أخرى لم يتعرض لها فضيلته، وتتلخص فيمن سافر لا ليُقيم، ولكن ما سافر من أجله استدعى الإقامةِ، ومن أُكره على الإقامة ومن أُكره على السفر والإقامةِ معاً. وهنا سننظر بيانها في التفصيل مع إيضاح ما يُناسب إقامتهُ عليه الصلاة والسلام أثناء سفره منها وهي عدة حالاتٍ منها:

1- أن يُسافر لا ليُقيم، ولكن العمل الذي سافر من أجلهِ استدعى المكثُ بمكانٍ لم يحدد من قبل، وزمان لم يقصد البقاء فيه، وذلك كإقامة المجاهدين في أرض المعركة من أجلّ الكر والفر ومنازلة الأعداء، أو إخافتهم وبث الرعب في نفوسهم، أو من أجل تنظيم الجيش ورص صفوفه، أو البقاء خلف أسوار المدن حالة حصارها؛ أو في داخلها بعد فتحها لنشر الإسلام واستتاب الأمن. ولذا فإن إقامت النبي عليه الصلاة والسلام بتبوك حين حرب الروم، وإقامته عليه الصلاة والسلام بمكة بعد فتحها، أمر استدعتهُ متطلبات الجهاد، مثل إدخال الرعب في قلوب الأعداء كما في غزوة تبوك.

وعلى هذا فلا يصح ما قاله الشيخ من أن إقامتهُ صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح وبتبوك داخلهُ في الحالة الثالثة من الحالات التي ذكرها؛ لأن تلك الحالة خاصة بمن سافر ليُقيم لغرضٍ معين. وهو لم يقم دليلاً على أن النبي عليه الصلاة والسلام قصد بسفره هذا أن يُقيم بتبوك زمناً معيناً لغرض معين.

2- من كان مسافراً ثم في أثناء سفرهِ أُكره على الإقامة، كأن ينقطع به السبيل: إما بحصار عدو، أو ثلج أو سيل أو مرض أو ضياع نفقة أو سلطان كما حصل لابن عمر صلى الله عليه وسلم في أذريبجان حينما حاصره الثلج، فمنعهُ من السفر، وهكذا كانت حال  كثير من السلف الذين يتخلفون في الأمصار، لانقطاع السبيل بهم، فقد تخرصوا بخرص السفر؛ لأنهم نووا الإقامة، ولكن لكونهم أُكرهوا عليها.

3-من أكره على السفر، وعلى الإقامة معاً، كمن ولي ولاية لا يرضاها أو كلف بعمل يحتاج تنفيذ إلى سفر وإقامة كما حصل لمسروق حينما ولى ولاية لم يرضها، فإن من كانت هذه حاله فهو في حكم المسافر، لمباشرته السفر؛ لأنه لم يجمع على إقامة طواعية بل أُكره عليها. وهنا لا يصح أن يُقال بأنها داخلةً تحت الحالة الثالثة من حالات التي ذكلرها الشيخ؛ لأنّ تلك الحالة جاءت الإقامة فيها مقصودةً بل مكره عليها صاحبها كما أُكره على السفر من أجلها، فإذا وجد الفرق بينهما فلا تماثل.


شارك المقالة: