شروط الانعقاد:
وهي الشروط التي لا بد من وجودها في العقد، وفي حالة عدم توافرها أو عدم وجود شرطٌ واحد
منها يُصبح العقدُ باطلاً، وتكون تلك الشروط موجودة ومجتمعة أو منفردة.
مُحل العقد: وهو عبارة عن مرتكزه ومحل ثقله للذي يتعلّق به موضوعه، ففي البيع، المبيع، وفي الإجارة منفعة المأجور لأن موضوع البيع هي نقل ملكية المبيع ببدلٍ معين وهو الثمن، ومحل الإجارة نقل ملكية المنفعة إلى أجلٍ ببدلٍ وهو الأجر. وعلى هذا يكون محل الزواج، وهو”مُلك الإستمتاع بالزوجة”. وقد أشرنا إلى ذلك بتعريف الزواج.
ويشترط في المحل لينعقد الزواج بعض الشروط وهي:
أن تكون الزوجة أنثى محققة الأنوثة: أيّ بمعنى أن تكون الزوجة المعقود عليها أنثى من بني آدم ومحققة الأنوثة، فإذا كانت خُنثى، وحالها يميلُ إلى الأُنوثة في الغالب، انعقد العقد عليها، أما إن كانت خُنثى مشكلاً لا ينعقدُ عليها النكاح، فإن كان الغالب من حالها الذكورة، جاز أن تكون زوجاً فَتعقدُ على أنثى محققة الأنوثة، ولا يجوز تزويجها برجل.
وكذلك زواج الرجل من الرجل، فإنه باطل لانتفاء الشرط، وكذلك المرأة من المرأة، وزواج الرجل من الجنية باطل أيضاً، لأنها قد تكون ذكراً تُشبَّه في صورة أنثى، لأنّ لهم قدرةٌ على التشبه.
أن تنتفي بين الرجل والمرأة المحرميَّة المتفق عليها بين الفقهاء: أيّ أن تكون المرأة على علمٍ أثناء العقد للعاقدين والشهود، فإذا كانت مجهولة عندهم، أو عند بعضهم، وإن كانت الجهالة فاحشة بطل العقد، كما إذا قال له: “زوجتك إحدى ابنتي”، وله بنتان تصلحان له، فهذا باطل، أو زوجتك هند، وكان هنالك أكثر من واحدة بهذا الاسم، فإذا كانت الجهالة يسيرة، كأن قال له: “زوجتك إحدى ابنتي”، وله بنتان إحداهما متزوجة، فإن العقد ينعقد على الثانية، وكذلك إذا قال له “زوجتك هند وأشار إليها وهي في المجلس”، أو كان الحديث والخطبة لها قبله، والشهود يعلمون ذلك، فإن كان الشهود لا يعلمون لم ينعقد.
فإذا اتفقا على تزويج الصُغرى وأخطأ فذكر إسم الكبرى فلا ينعقد لواحدة منهما، لأن الكبرى غير مرادة، والصغرى غير مذكورة، فلا ينعقد لذلك.
3– أن تكون الزوجة معلومة أثناء العقد: أي أن لا تكون المرأة مَحرماً للرجل محرميَّة متفقاً عليها لدى الفقهاء، فإذا كانت محرماً محرميّة متفقاً عليها بين الفقهاء، كالأم، والأخت، وأم الزوجة، والبنت رِضاعاً إذا استوفى الرضاع شروط التحريم لدى الفقهاء جميعاً، فإن العقد عليها باطل.
أما المحرّم عند بعض الفقهاء دون بعض، كمن رضعت من زوجته مرةً أو مرتين، فإنها محرَّمةٌ عليه عند الحنفية والمالكية، دون الشافعية والحنبلية، فإن العقد عليها منعقد، وليس باطلاً، وهذا عند من لا يقول بالتحريم بالرَضعة والرضعتين، أما من يقول بالتحريم بهما، فهو باطلٌ عنده ولكن له بعضُ الأحكام، لوجود الخلاف فيه، وهو ما يسميه بعض الحنفية فاسداً لعدم التحريم المتفق عليه.
شروط الانعقاد المتعلقة بالركن:
لقد علمنا أن ركن النكاح هو الرضا المعبّر عنه بطريق معتاد من طُرق التعبير عن الرضا، وهي أربعة أشكال:
القول، والكتابة، والإشارة، والتعاطي. وقد أجمع الفقهاء على عدم انعقاد النكاح بالتعاطي، خلافاً لعقود المعاوضات؛وذلك لالتباسه بالزنا، كما وأجمعوا على انعقاده بالطرق الثلاثة الأخرى: القول، والكتابة، والإشارة، إلا أن لكل طريقٍ من هذه الطرق شروطها التي لا تقوم إلا بها، وهي:
القول: القول هنا هو ذكر الإيجاب والقبول مشافهةً، وذلك بإيراد قولين من المتعاقدين يعربان بهما عن رضاها وعزمها على العقد، وقد اختلف الفقهاء في التمييز بينهما، فذهب الحنفية إلى أن الإيجاب هو الأول من قول طرفي عقد النكاح مطلقاً، والقبول هوالطرف الثاني، وذهب الشافعية إلى أن الإيجاب هو قولُ وليّ المرأة أو من يُمثّله، سواء كان هو الأول أو الثاني، والقبول هو قولُ الرجل أو من يمثّله، سواء كان هو الأول أو الثاني.
ما هي شروط الإيجاب والقبول:
يشترط لانعقاد الإيجاب والقبول بالقول شروط كثيرة، اتفق الفقهاء في بعضها واختلفوافي البعض الآخر، ومن أهمها مايلي:
اتحاد مجلس الإيجاب والقبول:
فمن شروطِ انعقاد العقد الشرّعي عامةً تلاقي الإيجاب والقبول حقيقةً، قياساً على العقد المادي، فالحبل لا ينعقد بالحبل إلا إذا لاقاه ومسهُ فعلاً، وكذلك العقد الشرعي. إلا أن تلاقى الإيجاب مع القَبول حقيقة متعذر أو متعسر، فأقيم كونهما في مجلسٍ واحدٍ مقام تلاقيهما حقيقة، وذلك وفقاً للقاعدة الفقهية الكلية: “المجلس يجمع المتفرقات”.
والمجلسُ: هو الوحدة الزمنية التي يكون فيها العاقدانِ مقبلينَ على موضوع العقد مهما طال الزمن، فإذا التفتا عنه إلى غيره من الحديث انقطع المجلس، ولا تؤثّر وحدةُ المكان هنا، وعلى ذلك فإذا تعاقدا وهما في سفينةٍ جاز وهما مجلسٌ واحد حكماً ما داما في الحديث عن موضوع العقد، فإذا افترقا فمشى كل منهما في اتجاه غير اتجاه الآخر، انقطع المجلس، لما فيه من قطع الحديث.
تطابق القبول مع الإيجاب: إذا قال الموجب زوجّتك فلانة، فقال القابلُ قبلت زواجَ أختها، فلا ينعقد العقد، لعدم التطابق، وكذلك إذا قال له: زوجتك فلانة بألفٍ، فقال قبلتُ زواجها بخمسمائة، فإنه لا ينعقد، ولو قال قبلت زواجها بألفين جاز، لأنه اختلافٌ صوري لا يُعتد به.
بقاء الموجب مقراً على إيجابه حقيقة وحكماً حتى صدور القبول: فإذا سحب الموجب إيجابه بقولٍ صريح،
كأن قال رجعت عن إيجابي، أو بدلالة الحال، كأن أعرض عن القابل، لم ينعقد العقد، سواء قَبِلَ بعد ذلك أو لا، لأن الإيجاب لا يُلزم صاحبه ما لم ينعقد به القبول، فيحقُ له الرجوع عنه، فإذا ارتبط به القَبول أصبحَ عقداً لازماً. هذا في البقاء الحقيقي على الإيجاب. أما البقاء الحكمي عليه، وهو أن يبقى الموجب أهلاً للإيجاب حتى صُدور القبول، فلو جُن الموجب بعد الإيجاب، ثم قبل القابل لا ينعقد العقد، لأن الإيجاب أسقط وعد الموجب راجعاً عنه حُكماً بسقوط أهليته.
تنجيز الإيجاب والقبول: والعقد المُنجَز وهو العقد المُنعقد في الحال، ويقابله المُعلّق والمضاف إلى المستقبل، إذا قالت امرأةٌ لرجل: “زوجتك نفسي”، كان ذلك منجزاً، وإذا قالت: “زوجتك نفسي إن رضي أبي مثلاً”، فهذا الأمر معلقٌ على شرط، وهو إرضا أبيها، ولو قالت: “زوجتك نفسي إبتدءاً من أول الشهر القادم”، كان مضافاً إلى المستقبل.
أن يكون الإيجاب والقبول بلفظ النكاح أو الزواج: فقد أجمع الفقهاء على انعقاد الزواج بلفظ النكاح ولفظ الزواج وما اشتق منهما. فلو قال أبُ المرأة: “زوجتك بنتي، أو أنكحتك بنتي”، فقال الرجل: تزوجتها أو قبلت نكاحها، انعقد العقدُ بالاتفاق، سواء تقدم لفظ وليّ الزوجة أو لفظ الزوج.
أن يكون الإيجاب والقبول باللغة العربية الفصحى: إذا عجز العاقدان عن اللغة العربية انعقد عقدهما بأي لغة يستطيعانها لدى الحنفية، لأن ركن العقد هو الرضا المُعبّر عنه بالإيجاب والقبول عندهم، وليس الإيجاب والقبول نفسهما، كما تقدم في ركن العقد.
أن يكون الإيجاب والقبول بلفظ الماضي: اتفق الفقهاء على انعقاد العقود المدنية جميعاً ومنها عقد النكاح بلفظ الماضي في كل من الإيجاب والقبول، فإذا قالت:” زوجتك نفسي، فقال: قبلت”، انعقد العقد بالإجماع، لأن الماضي يدل على الجزم والقطع.
أن يخلو الإيجاب والقبول عن اشتراط التوقيت.
خلوه من خيار الشرط: لقد تقدّم بطلان النكاح المُعلق على الشرط والمضاف إلى المستقبل، وكذلك النكاح المشروط فيه خيارُ الشرط، سواء كان الخيار للزوج أو للزوجة أو لهما أو لغيرهما، وذلك لما فيه من تأخير حكمه عن ساعة انعقاده، فإذا أشرط فيه الخيار ثم أُسقط الخيار في المجلس، كأن قال لها تزوجتك على أني بالخيار، فقالت: قبلت،
فقال في المجلس: أسقطت خياري، فإنه ينعقد، وكأنه بات لا خيار فيه، للقاعدة الفقهية الكلية المتقدمة:
“المجلس يجمع المتفرقات”، وقد تقدّم مثل ذلك في النكاح المُعلّق على شرط.