نتعرّف بالبداية على مفهوم المرض، فالمرض: هو السَّقم نقيض الصِّحَّة .
ويقال: المرض والسّقم في البَدن والدِّين جميعاً، كما يقال الصّحّة في البدن والدِّين جميعاً .
والمرض في القلب يطلق على كلِّ ماخرج بهِ الإنسان عن الصّحّة في الدّين، وأصل المرض: النقصان،
ويقال أيضاً بَدَنٌ مريضٌ أي ناقصُ القوَّة، ويقال بَدنٌ مريضٌ أي ناقص الدِّين، والمرض في القلب فتورٌ عن الحقِّ، وفي الأبدان أي فتور الأعضاء .
كيفية طهارة المريض:
يجب أنّ يتطهَّر المريض على النحو التالي:
1. يجب أنّ يتوضأ من الحدث الأصغر والأكبر: مثل النواقض والوضوء، والغُسل من الحث الأكبر .
2.يجب أنّ يُزيل ما على السبيلين من النجاسة بالماء قبل الوضوء؛ لأنّ النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ كان يستنجي بالماء .” متّفق عليه” .
3. إذا كان المريض لا يستطيع الحركة؛ فإنّهُ يوضِّئَهُ شخصٌ آخر، وإذا كان عليه حدثُ أكبر ساعدهُ في الغُسلِ ولا ينظر إلى عورتهِ .
4.فإذا كان المريض لا يستطيع أن يتطهَّر بالماء؛ لخوفهِ من تَلَف النَّفس، أو تَلف عضو، أو حدوث مرض، أو لِعجزهِ، أو خوف زيادة المرض أو تأخُّر برئهِ؛ فإنَّهُ يتيمَّم، لقولهِ تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )” النساء 29″ . وكيفيَّة التيمُّم: أن ينوي رفع الحدث، ثمَّ يضرب بيديهِ على التُّراب الطاهر ضربةً واحدةً فيمسح جميعَ وجههِ، بباطن أصابعهِ، ثمَّ يمسح كفيهِ براحتيهِ؛ لقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا )” النساء 43″ .
5.فإن لم يستطع أن يَتيمَّم بنفسهِ، فإنّهُ يُيمِّمَهُ مَنْ عندهِ مِنْ الحاضرين أو المرافقينَ، فيُحضِرُ التُّراب الطَّاهر ثمّ يُيمِّمهُ بهِ.
6.إنّ مَن يوجد بهِ جروح أو كسور أو مرضٌ يضُرُّهُ استعمال الماء؛ فإنّهُ يتيمَّم سواءً كان مُحدثاً حدثاً أصغر أو أكبر،
لكن لو أمكنهُ أن يغسلَ الجزء الصحيح من جسدهِ أو أعضائهِ وجب عليهِ ذلك وتيمَّم للجزء المُتبقّي؛ لقوله تعالى:( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ ) .
7. إذا كان في بعض أعضاء الطَّهارة جرحٌ يستطيع أن يغسلهُ بالماء غَسَلَهُ، فإن كان الغُسلُ بالماء يؤثّر عليهِ، مَسَحهُ بالماء مَسْحاً، فإنَّ كان المسح يؤثّر عليهِ أيضاً فإنهُ يشدُّ عليهِ جبيرة، أو لزقة ويمسح، فإن عجز فحينئذٍ يتيمَّم عنهُ بعد الطهارة .
8. إذا تيمَّم لصلاةٍ وبقيَ على طهارتهِ إلى وقت الصلاة الأخرى؛ فإنهُ يصليها بالتيمُّم الأول، ولا يعيد التيمُّم للصلاة الثانية؛ لأنّهُ لم يزل على طهارتهِ ولم يحصل ما يبطلها من نواقض الطهارة؛ ولأنَّ التيمُّم لا يبطل إلَّا بما يبطل الوضوء.
9.يجب على المريض أن يُطهِّر بدنهُ وثيابهُ، وموضع صلاته من النجاسات، فإن عجز عن شيء من ذلك ولم يجد مَنْ يقوم بتطهير النَّجاسة صلى على حسب حالهِ، وصلاته صحيحة ولا إعادة عليهِ، ولكن لو استطاع أن يبدِّلَ ثيابه النجسة بثياب أُخرى طاهرة، أو يفرش على الفراش النَّجس فراشاً طاهراً وجب عليه ذلك .
10. المريض المُصاب بسَلَسِ البول، أو استمرار خروج الدم، أو الريح، ولم يبرأ بمعالجته، عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوباً طاهراً إن تيسر له ذلك .
كيفية صلاة المريض
تكون صلاة المريضِ على النحو التالي:
- يجب على المريض الذي يخاف زيادة مرضه أنّ يصلي الفريضة قائماً، لقوله تعالى:( وقوموا لله قانتين) .
- إنَّ قدر المريض على القيام بأن يتكئ على عصا أو يستند إلى حائط أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه القيام .
- إن قدر المريض على القيام إلّا أنه يكون منحنياً على هيئة الراكع؛ كالأحدب، أو الكبير الذي انحنى ظهرهُ وهو يستطيع القيام لزمه القيام .
- المريض الذي يقدر على القيام لكنهُ يعجز عن الركوع أو السجود لا يسقط عنه القيام، وعليهِ أن يصلي قائماً ويُومِئ بالركوع قائماً إن عجز عنه، وإن لم يمكنهُ أن يحني ظهره حني رقبته، وإنّ تقّوس ظهره فصار كأنهُ راكع زاد في انحنائه قليلاً، ثم يجلس فيومئ بالسجود جالساً إن عجز عنه ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما يمكنه؛ لقوله تعالى:( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ” البقرة 238″ .
- المريض الذي يزيد القيام في مرضه، أو يشق عليه مشقّةً شديدة، أو يضرهُ، أو يخاف زيادة مرضهِ يصلي قاعداً؛ لقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )” التغابن” 16 .
- الأفضل للمريض إذا صلى جالساً أنّ يكون مُتربعاً في موضع القيام، والصحيح أنه إذا ركع يركع وهو مُتربع؛ لأنَّ الراكع قائم؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت:(( رأيتُ النبي يصلي متربعاً)) “رواه النسائي” .
ومن السنة أيضاً ان يجعل يديهِ على ركبتيه في حال الركوع، أمّا حال السجود فالواجب أن يسجد على الأرض، فإن لم يستطع وجب عليه أن يجعل يديه على الأرض، وأَوْمَأ بالسجود لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمرتُ أنّ أسجد على سبعة أعظم على الجبهة – وأشاربيدهِ على أنفه – واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين ) “متفق عليه من باب السجود على الأنف في الطين” . - إن عجز المريض عن الصلاة قاعداً صلى على جنبهِ، مُستقبل القبلة بوجههِ، والافضل أنّ يصلي على جنبهِ الأيمن؛لحديث عمران رضي الله عنه وفيه: (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) “رواه البخاري” .
- فإن عجز المريض عن الصلاة على جنبه صلى مستلقياً ورجلاهُ إلى القبلة؛ لحديث عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له:(( صلّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) ، زاد النسائي( فإن لم تستطع فمستلقياً لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) .” رواه البخاري” .
- فإن عجز المريض عن الصلاة إلى القبلة ولم يوجد من يوجّهه إليها صلّى على حسب حاله؛ لقوله تعالى:(( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ )) ” البقرة 286″ .
- فإنّ عجز المريض عن الصلاة مستلقياً، صلّى على حسب حالهِ على أي حال كان؛ لقوله تعالى:(( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) ” التغابن 16″ .
- فإنّ عجز المريض عن جمبع الأحوال السابقة صلّى بقلبهِ: فيكبّر، ويقرأ، وينوي الركوع والسجود، والقيام والقعود بقلبهِ، فإنّ الصلاة لا تسقط عنه مادام عقلهُ ثابتاً بأي حال من الأحوال .
- إذا قدر المريض في أثناء صلاتهِ على ماكان عاجزاً عنهُ، من قيام أو قعود، أو سجود، أو إيماء انتقل إليه وبنى على ما مضى من صلاته، وهكذا لو كان قادراً فعجزأاثناء الصلاة أتم صلاته على حسب حاله؛ لأنَّ ما مضى من الصلاة كان صحيحاً فبنى عليه كما لو لم يتغير حاله .
- إن عجز المريض عن السجود على الأرض؛ فإنه يُومِئ بالسجود في الهواء ولا يتخذُ شيئاً يسجد عليه؛ لحديث جابر رضي الله عنه يرفعه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه فأخذه فرمى به، قال: ((صلّ على الأرض إنّ استطعت وإلا فأومِ إيماءً واجعل سجودك واخفض من ركوعك)) ” البيهقي بالسنن الكبرى” .
- يجب على المريض أن يصلي كلَّ صلاة في وقتها، ويفعل كلَّ ما يقدر عليهِ ممَّا يجب فيها؛ فإنّ شقَّ عليهِ، فعلَ كلَّ صلاة في وقتها فلَهُ الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، إمّا جمع تقديم بحيث يقدم العصرمع الظهر، والعشاء مع المغرب، وإمّا جمع تأخير بحيث يؤخِّر الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، حسبما يكون أيسرُ لهُ، أمّا صلاة الفجر فلا تجمع مع ماقبلها ولا مع ما بعدها؛ لأنّ وقتها منفصلٌ عمّا قبلها وعمّا بعدها .
وممّا يدلُّ على جواز الجمع للمريض الذي يشقُّ عليهِ فعل الصلاة في وقتها ويضعف عن ذلك حديث ابن عباس رضي اللع عنه قال: (( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جمعاً، والمغرب والعشاء جمعاً في غير خوف ولا سفر )) ” كتاب صلاة المسافرين وقصرها” . - لا يجوز للمريض ترك الصلاة بأيِّ حال من الأحوال ما دام عقلهُ ثابتاً، بل يجب على المُكلَّف أن يحرص على الصلاة أيام مرضهِ أكثر من حرصه عليها أيام صحّته ويصليها في وقتها المشروع حسب استطاعته، فإذا تركها مُتعمِّداً وهو عاقل وعالم بالحكم الشرعي مُكلّف يقوى على أدائها ولو إيماءً فهو آثم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى كفره بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )) ” رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهم” .
- إذا نام المريض عن صلاته، أو نسيها وجب عليه أنّ يصليها حال اسيقاظه، أو ذكره لها، ولا يجوز له تركها إلى دخول وقت مثلها ليصليها فيه؛ لحديث أنس رضي الله عنه_ عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:(( من نسي صلاته فليصلّيها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلّا ذلك، وفي لفظ لمسلم: (( مَنْ نَسِيَ صَلاةً , أَوْ نَامَ عَنْهَا ، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا )) “متفق عليه وبخاري ومسلم ” .
- إذا كان المريض مسافراً يعالج في غير بلدهِ، فإنهُ يقصر الصلاة الرباعية، فيصلي الظهر، والعصر، والعشاء، ركعتين ركعتين ما دام مسافراً لم يُجمع على إقامتهِ أكثر من أربعة أيام، أمّا صلاة المغرب فيصليها ثلاثاً سفراً وحضراً، وهكذا صلاة الفجر يصليها اثنتين سفراً وحضراً، يصلي سنة الفجر قبلها ركعتين؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليهما حضراً وسفراً، وقالت عائشة رضي الله عنها( لم يكن يدعها أبداً ) .