صيام التطوع

اقرأ في هذا المقال


صيام التطوع : وهو من أهمّ الأعمال التي يقوم بها المسلم من أجل التقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى، وهو من النوافل التي يؤجر على أدائها ولا يؤثم على تركها، وحكمه مندوب ومستحب العمل به، ويطلق عليه صيام النافلة، ويكون الصّيام في أيام غير أيام شهر رمضان المبارك. وتظهر أهميَّة هذا الصّيام في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:(من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعينَ خريفاً)“رواه بخاري ومسلم”.

ماهي الأيام التي يستحب التطوع بصّيامها

  • صيام ستة من شوال: عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كانَ كصيام الدهرِ) “رواه مسلم”.
    وعن ثوبان رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وستَّة أيام بعدهنّ بشهرين، فذلك تمام سنة)“رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني”.
    ويجوز صيام هذه الأيام الستة خلال شهر شوال متتابعة أو متفرقة كما بين أهل العلم.
    و ينبغي الإشارة إلى أنَّه لا أصل لتسمية الأيام الستَّة من شوال بالستة البِيض، فالأيام البيض، فقط هي ثلاثة أيامٍ وسطَ الشهر الهجري، وهي الثالثَ عشرَ والرابعَ عشرَ والخامسَ عشرَ، حينما يكون القمرُ بدراً فتبيضُّ أكثرُ لياليها بضوء القمر. ويستحب صيامها أيضاً كما سنبين.
    وصيام ستَّة من شوال لمن عليه قضاء من رمضان: اختلف العلماء في جواز صيام التطوع بشكل عام قبل قضاء رمضان، فمنهم من أجاز ذلك بلا كراهة وهو مذهب الحنفية ورواية عند الحنابلة، ومنهم من أجاز ذلك مع الكراهة وهو مذهب المالكيَّة والشافعيَّة، ومنهم من حرَّم ذلك وهو مذهب الحنابلة.

أما بخصوص صيام ست من شوال قبل قضاء رمضان، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من أجاز صيام ست من شوال قبل القضاء؛ لأنَّ القضاء لا يجب على الفورية.

ومنهم من قال بعدم الجواز؛ لأنَّ صيام ستٍّ من شوال متعلق بإكمال شهر رمضان، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ)“رواه بخاري ومسلم”.
ويفهم من هذا الحديث أنَّه لا بد من إتمام صيام رمضان (أداءً وقضاءً)، ثمَّ يكون بعده صيام ست من شوال، حتى يتحقَّق الأجر الوارد في الحديث.
فالذي عليه قضاء من رمضان يقال عنه: صام بعض من رمضان، ولا يقال عنه صام رمضان كله.
ونقول إنَّ قضاء رمضان مقدَّم على صيام ست من شوال، فمن كان يستطيع أن يقضي ما عليه في شوال ثمَّ يصوم ست من شوال فهو أفضل، لكن من كان لا يستطيع فيجوز له صيام ست من شوال حتى لا تفوته فرصة صيامها، ويقضي ما عليه من رمضان خلال العام قبل مجيء رمضان التالي، فلا يجب قضاء رمضان على الفوريَّة وإنَّما يستحبُّ ذلك، فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت:(كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)”رواه البخاري ومسلم”.
وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير السَّلف والخلف إنّ قضاء رمضان في حق من أفطر بعذرٍ شرعي؛ كحيض وسفر يجب على التراخي، ولا يشترط المبادرة به أول الإمكان .

  • الأيام الثمانية الأُوَل من شهر ذي الحجة:

يستحب للمسلم صوم الأيام الثمانية الأُول من ذي الحجة؛ إذ إنَّ من السّنة أن يجتهد المسلم في العمل الصالح في هذه الأيام، ومن أَجمل الأعمال الصالحة الصّيام، ويجوز الصّيام في هذه الأيام للحاجّ ولغير الحاجّ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(ما مِن أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعنِي أَيَّامَ العَشرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، ولا الجِهادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رجلٌ خَرَجَ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ فَلَم يَرْجِع مِن ذَلِكَ بِشَيءٍ) “رواه البخاري وابن ماجه واللفظ له وصححه الألباني”.

  • صوم يوم عرفة لغير الحاج: عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتسب عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)“رواه مسلم”.
    قال النووي في شرح صحيح مسلم: ” قالوا: المراد بها الصغائر”، وهذا قول جمهور أهل العلم، وقال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم الجوزية وغيرهما، فالكبائر لا تكفَّر إلا بالتوبة.
  • الصوم في شهر الله المحرم خاصة يومي التاسع والعاشر:

يستحب الإكثار من الصّيام في شهر المحرم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) “رواه مسلم”.

ويتأكَّد الاستحباب في صيام العاشر من المحرم (عاشوراء)، فعن أبي قتادة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:(صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله) “رواه مسلم”.

عنِ ابن عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنه، قال: (مَا رأَيت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسَلَّم يَتحَرَّى صيَام يومٍ فَضَّلَه على غيرِه، إِلَّا هذَا اليَوم يَوم عَاشُوراء، وهذَا الشَّهرَ يَعْنِي شَهرَ رمضَانَ) “رواه البخاري ومسلم”. معنى يتحرَّى: أي يترقَّب ويتهيأ لصومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.
ويستحب صيام يوم التاسع من المحرم (تاسوعاء) مخالفة لليهود في اقتصارهم على صوم العاشر، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:(حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ”. قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)“رواه مسلم”.

  •  صوم أكثر أيام شهر شعبان: يستحبُّ إكثار الصيام في شهر شعبان، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً منه في شعبان) “رواه البخاري ومسلم”.

وعَن أَبي سلَمةَ قَال: سأَلْت عائِشة رضي اللَّه عنهَا عن صيَام رسول اللَّه صلَّى اللَّه علَيه وسلَّم، فقالت:(كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلاً)“رواه مسلم”.

والحكمة من استحباب إكثار الصّيام في شهر شعبان جاءت في حديث أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنه الذي يقول فيه:( قُلْت: يَا رَسُول اللَّه، لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان، قَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان، وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)”رواه أبو داود والنسائي وحسنه الألباني”.

  •  صيام يومي الاثنين والخميس: يستحب للمسلم أن يواظب على صيام الاثنين والخميس، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما:( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين والخميس، فسُئِلَ عن ذلك، فقال: إن أعمال العباد تُعرض يوم الاثنين والخميس، وأحب أن يُعرَضَ عملي وأنا صائم) “رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني”.
  •  صيام ثلاثة أيام من كل شهر : يُسن للمسلم أن يحرص على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فعَن أَبِي هريرة رضي اللَّهُ عَنه، قَال:(أوصانِي خَلِيلِي صلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ بِثَلاث: صيَام ثَلَاثَة أَيَّام مِن كُل شَهر، وركعتَيِ الضحَى، وَأَن أُوتِرَ قَبل أَن أَنام)”رواه البخاري ومسلم”.
  • صيام يوم وإفطار يوم (صيام داود عليه السلام): وهذا الصّيام أعلى درجات الصّيام وأفضلها، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:(أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي قال: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدَّهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يومين، قلت: إنِّي أطيق أفضل من ذلك قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصِّيام، فقلت: إنِّي أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك)“رواه البخاري ومسلم”.





شارك المقالة: