علاقة إبراهيم عليه السلام مع الدعاء والإستغفار

اقرأ في هذا المقال


علاقة إبراهيم عليه السلام مع الدعاء:

إن إبراهيم عليه السلام دعا ربهُ في عدةِ مواطن بينها القرآن الكريم، وقد يُبين مدى صلة خليل الرحمن بربه عزّ وجل، فإن الله تعالى أمرَ خليله عليه السلام زابنه ببناءِ البيتِ الحرام، وأمرهم بتطهيره من الأصنام والنجاساتِ، حتى يتسنى للطائفين والقائمين والركع السجود من أداء المناسك كما يُحب الله ويرضى ومنها ما يلي:
– أمره جل وعلا بأن يُنادي في الناس لأداء الحجّ في المكان الذي بَنياهُ، فقال تعالى: “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ” الحج:27.
– إنه عليه السلام بعد نِدائه للناس دعا بدعواتٍ عظيمةٍ لمكة ومن فيها، فقال تعالى: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” البقر:126.
– ودعا له ولذريتهُ فقال: “رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” البقرة:128.
– وقد دعا عليه السلام لأهل مكة أن يبعث فيهم رسولاً منهم يدعوهم إلى الله وعبادته وحدهُ فقال: “رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” البقرة:129.
وقد استجاب الله دعاءه عليه السلام، فكانت مكة بلداً آمناً، ورزق أهلها من الثمرات ، وبعث فيها المصطفى صلوات الله عليه فيهم من أجل أن يدعوهم إلى الله، وكان عليه الصلاة والسلام دعوة إبراهيم عليه السلام، كما في الحديث، عن أبي أمامة قال: “قلتُ يا نبيّ الله ما كان أولُ بدءِ أمرك؟ قال: دعوةً أبي إبراهبيم وبُشرى عيسى ورأت أُمي أنه يخرجُ منها نورٌ أضاءت منها قُصورُ الشام” مسند أحمد.
ولقد عرضت سورة إبراهيم عليه السلام عدةُ دعواتٍ لخليل الله إبراهيم عليه السلام متتالية للبيت الحرام وأهله وهي كما ذكر الله عنه عليه السلام فقال تعالى: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ – رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ – رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ – رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ – الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ – رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ – رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ” إبراهيم:35-41.
ففي هذه الآيات عرض المثال للإنسان الشاكر لنعم الله، وهو مثال أبي الأنبياء عليه السلام، فأظهرت في مشهد رائعٍ يغبطهُ الخشوع والتذلل بالشكر لله سبحانه، والتضرع إليه بالدعاء، فقد طلب الأمن للبلد الحرام، وفي ذلك إظهارُ أهمية نعمة الأمن في حياة الإنسان.
إنّ إبراهيم عليه السلام كان كثير الدعاء، وقد دعا لنفسه كما حكى القرآن عنه فقال: “رَبّ هب لي حُكماً وألحقني بالصالحين- واجعل لي لسانَ صدق في الأخرين- واجعلني من ورَثةٍ جنةِ النعيم- واغفر لأبي إنَهُ كانَ من الضّالين- ولا تُخزنِي يومَ يُبعثون- يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بَنُون- إلّا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم” الشعراء:83-89. فقد دعا لنفسه أن يؤتى الحكم وهو العلم، وطلب اللحاق بالصالحين في الدنيا والآخرة، فأراد أن يكون من ورثة جنةِ النعيم، ثم دعا بالمغفرةِ لأبيه، وأن يحميه من الخزي يوم الدين.

إبراهيم عليه السلام والاستغفار:

لقد تبين فيما مضى من دعوة إبراهيم عليه السلام لأبيه من نبذ للأصنام وعبادة الواحد الأحد، ولكن ما كان من الأب إلّا أنه رفض دعوة إبراهيم عليه السلام، بل إنه هدد بالرجم إن لم ينته في دعوته له بالهدايته، كما ذكر الله في كتابه فقال: “ قال أراغبٌ أنتَ عن آلهَتِي يا إبراهيم لئن لم تنتهِ لأرجمنك واهجرني مليّا” مريم:46. ورغم كل هذا إلّا أنه عليه السلام قابل ذلك بالصفح والعفو فقال له “سلامٌ عليك” توديع ومتاركة على طريقة مقابلة السيئة بالحسنة، فإن ترك الإساءة للمسيء إحسان، وهذا ما يفعلهُ المؤمنين مع الجاهلين، مثل هذا من وصفهم الله بعباد الرحمن، فقال: “وعبادُ الرحمان الذين يمشون على الأرضِ هونَاً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً”. الفرقان:63.
لم يقف إبراهيم عليه السلام عند هذا الحد، بل إنه استغفر لأبيه فقال: “قال سلامٌ عليكَ سأستغفِرُ لك ربي إنه كان بي حَفِيّا” مريم:47 أي بمعنى إن ربي لطيفٌ بي عودني الإجابة منه إذا دعوته.


شارك المقالة: