اقرأ في هذا المقال
جاء الإسلام بنظامه المتكامل لينير الطرق للناس، ويضعهم على الطريق المستقيم، وكان من الطبيعي أن يصحح الأوضاع المعوجة التي درج الناس عليها في الجاهلية، يقر ما يراه صالحاً، ويبطل ما عدا ذلك، وكان من الطبيعي أن يعالج نظام الميراث عندهم، حيث ظهر فيه الإجحاف ببعض الفئات، وقد عالج الإسلام في هذا الموضوع بحكمة بعد أن تمكن من نفوسهم.
بدأ الإسلام يتدرج معهم في الميراث كما تدرج معهم في تحريم الخمر، فأول ما بدأ الإسلام تركهم وشأنهم، وركّز حملته الإصلاحية على غرس عقيدة التوحيد في نفوسهم، وحثهم على الاستعداد لليوم الآخر، وبقي الأمر كذلك حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل من مجتمع المدينة متماسكاً متكاتفاً يكون مثلاً يُحتذى في أخلاقه ومعاملاته وعاداته، فآخى بين المهاجرين والأنصار، وجعل من هذه الأخوّة سبباً للميراث، لأنّ المسلم المهاجر انقطعت صلته مع أهله وأقربائه حتى من أسلم منهم.
وقد نزلت آيات القرآن الكريم تبارك هذه المؤاخاه وتقر نظام التوارث بها لأنّها رابطة دونها كل رابطة تزول الجبال الراواسي ولا تزول، لأنّها تقوم على كلمة التوحيد الخالدة( لا إله إلا الله محمد رسول الله) قال تعالى ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِینَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوۤا۟ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَمۡ یُهَاجِرُوا۟ مَا لَكُم مِّن وَلَـٰیَتِهِم مِّن شَیۡءٍ حَتَّىٰ یُهَاجِرُوا ࣱ﴾ [الأنفال ٧٢]
والولاية في هذه الآية تعني الوراثة الناشئة عن سبب القرابة الحكمية بين المهاجرين والأنصار، فكانوا يتوارثون بهذه القرابة الحكمية إرثاً مقدماً على النسب حتى نسخ الله تعالى بآيات المواريث عندما استقر أمر الإسلام وثبت أمر هذا الدين.
وما أن قويت شوكة الإسلام، وتمّ فتح مكة ودخل الناس في دين الله أفواجاً حتى نسخ الله التوارث بالهجرة، وعاد التوارث بالقرابة النسبية، وجاء القرآن يعيد التوارث إلى أسبابه الأصلية بعد أن زالت الأسباب التي جعلت المهاجرين والأنصار يتوارثون بالإخوة في الدين، وهذه الأسباب هي قلة عدد المسلمين في بداية الأمر وحاجتهم إلى أن يؤازر كل منهم أخاه في الإسلام.
وقال تعالى ﴿ وَأُو۟لُوا۟ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضࣲ فِی كِتَـٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُهَـٰجِرِینَ إِلَّاۤ أَن تَفۡعَلُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَوۡلِیَاۤىِٕكُم مَّعۡرُوفࣰاۚ كَانَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا﴾ [الأحزاب ٦] كما أنّ الإسلام أبطل التوارث بالتبني تبعاً لإبطال التبني .
ثمّ كان الأمر في بداية الإسلام متروكاً للشخص الذي تحضره الوفاة يوصي بماله كيف يشاء، ثمّ قيّد الإسلام الوصية بعد ذلك فلا تكون لوارث له نصيب في التركة، ويجب أن لا تزيد عن الثلث.
ثم جاءت الشريعة على عادة سيئة كانت متمكنة من نفوس العرب في الجاهلية، وهي عدم توريث النساء والصبيان، فجعل الإسلام للصغار نصيباً من الميراث لا ينقص عن نصيب غيرهم من الرجال الأقوياء، وجعل للمرأة نصيباً سواء أكان الميراث المتروك قليلاً أو كثيراً.
وهكذا تدرج الإسلام في تشريع الميراث، ورسم للمسلمين طريقاً واضحاً محدد المعالم .