بئر زمزم أحد أقدم آبار المياه الموجودة على الأرض إذ تعودُ إلى زمن إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- وهو البئر المحتوي على ماء زمزم، ويقع في صحن المطاف بمحاذاة إلى الشرق من الكعبة المشرفة على بُعد 20 مترًا منها، ويبلغ عمق البئر 30 مترًا، ويُضخ الماء منه بمعدلٍ يتراوح ما بين 11 إلى 18.5 لتر/ الثانية لتغطية حاجة المسجد الحرام والمسجد النبوي، ويتغذّى البئر من مصدريْن الأول فتحة باتجاه الحجر الأسود ومنها تأتي الكمية الأكبر والثانية فتحة باتجاه المكبرية إلى جانب عددٍ من الفتحات الصغيرة التي تسكب الماء في البئر، وهذا المقال يسلط الضوء على قصة نبع ماء زمزم.
قصة ماء زمزم:
ماء زمزم هو الماء الذي نبع من بئر زمزم أو نبع زمزم تحت قدمَيْ سيدنا إسماعيل -عليه السلام-، فبعدَ أن جاء سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بزوجته هاجر -عليها السلام- وولدها إسماعيل إلى مكة تركهما وحيدين في قلب الصحراء، قال الله تعالى على لسان نبيه إبراهيم -عليه السلام-: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}صدق الله العظيم،وكانت مكة يومئذٍ عبارة عن وادٍ مقفرٍ خالٍ من الزرع والنبات والبشر، وبعد أن تركَ إبراهيم ولده وزوجته شعرت السيدة هاجر بالخوف، وما إن نفدَ ما كان معها من مؤونةٍ قليلةٍ وبدأ رضيعها بالبكاء جوعًا، راحت تركضُ مهرولةً من مكان إلى مكان وكانت تلك الهرولة بين الصفا والمروة، وهي على تلك الحال سمعت صوت جبريل -عليه السلام- يحفرُ البئر.
وقد روى ابن عباس في صحيح البخاري أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “فلما أشرفت على المروةِ سمعت صوتًا، فقالت صَهْ -تريدُ نفسها- ثم تَسَمَّعَتْ، فسمعت أيضًا، فقالت: قد أُسْمِعْتُ إن كان عندكَ غَوَاثٌ، فإذا هي بالمَلَكِ عند موضعِ زمزمَ، فبحث بعقبِهِ، أو قال: بجناحِهِ، حتى ظهر الماءِ، فجعلت تَحُوضُهُ وتقولُ بيدها هكذا، وجعلت تغرُفُ من الماءِ في سقائها وهو يفورُ بعد ما تغرفُ”، قال ابنُ عباسٍ: قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-:” يرحمُ اللهُ أم إسماعيلَ، لو كانت تركت زمزمَ أو قال: لو لم تغرف من الماءِ لكانت زمزمُ عينًا معينًا، قال: فشربت وأرضعتْ ولدها “، وعند ذلك خرجَ ماء زمزم وشربت منه السيدة هاجر وسقت رضيعها وأرضعته، وكان وعدُ الله بحفظهما قد تحقَّق.
لماذا سمي ماء زمزم بهذا الاسم؟
من المعروف أنّ بئر زمزم هو النبع الذي يخرج منه ماء زمزم، والذي انفجرَ عند قدمَيْ إسماعيل -عليه السلام-، وأمّا سؤال: لماذا سمي ماء زمزم بهذا الاسم فعندما قام جبريل -عليه السلام- بحفر البئر بقدمه أو بجناحه، سارعت السيدة هاجر إلى ذلك الموضع وصارت تجمع الماء بيديها حتى لا يسيل ويتفرّق في الأرض، وهي ورضيعها في حاجةٍ شديدةٍ للماء، كانت تَغْرِف منه بيديها وتضع في سقائها، ثمَّ زمَّت الماء بالتراب أي أحاطت النبع بالتراب كي لا يسيلَ منه الماء وجعلت حوله مثل الحوض.
قد قال البرقي -رحمه الله- أنَّ ابن عباس -رضي الله عنه- قال: “سميت زمزم لأنَّها زمت بالتراب لئلا تسيح الماء يمينًا وشمالًا”، وقيل أيضًا حول لماذا سمي ماء زمزم بهذا الاسم أنَّ السيدة هاجر عندما فاض الماء على وجه الأرض صارت تقول له: زم زم، أي اجتمع يا مبارك، وبسبب اجتماع الماء سمي كذلك، وقيل أيضًا حول لماذا سمي ماء زمزم بهذا الاسم أنّ زمزم جاء من زمزمة الماء أي صوت الماء عندما كان يخرُج، والله تعالى أعلم.
فضل شرب ماء زمزم:
يستمدّ ماء زمزم قيمتَه الدينيّة ممّا جاء في سنّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من نصوص وأحاديث تبين فضل شرب ماء زمزم وقيمته الدينية أولًا وقيمته الطبيّة التي اكتشفها الطب الحديث بعد تحليل التركيبة الكيميائية لماء زمزم، ومن أبرز الأحاديث التي جاءت في فضل شرب ماء زمزم في السنة، فقد روى الصحابيّ الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله قال: “خيرُ ماءٍ على وجهِ الأرضِ ماءُ زمزمَ، فيه طعامٌ من الطعمِ وشفاءٌ من السقمِ”، وقد دعا علماء المسلمين إلى ضرورة شرب ماء زمزم للاستفادة من فضل هذا الماء المبارك، ولأنّ شربه فيه سير على خطى رسول الله وفيه عمل بسنته، فقد جاء في الصحيح فيما روى عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنه- قال: “أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- شرِب مِن ماءِ زمزمَ وهو قائمٌ”، كما أنَّ ماء زمزم أيضًا تغني عن الطعام لما فيها من مكونات وخصائص تغذي جسم الإنسان، وقد ثبت عن أبي ذرٍّ الغفاري -رضي الله عنه- إنَّه أقام في مكة المكرمة شهرًا بلا طعام ولا قوت، وعندما سأله رسول الله عن قوته وزاده قال: “ما كانَ لي طَعَامٌ إلَّا مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَما أَجِدُ علَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، قالَ: إنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ”، والله تعالى أعلم.