استكبار فرعون بغير الحق:
قال تعالى: “وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ” القصص:38. كأن فرعون بعد أن سمعَ كلام موسى، فقد أراد أنّ يُبين لقومه أن هذا الكلام لم يؤثر فيه، وخشي أن يكون كلام موسى وهارون قد أثرَ في عقول قومه، فأراد أنّ يُلبس على هذه العقول مرةً أخرى، فقال: إنّ هذا الكلام غير صحيح، وأنه ما زال إلهاً وما زال هامان هو الآخر يُمالئوه حتى إنه يقول له: “فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ” فيأمر هامان بأن يبني له صرحاً عاليّاً؛ ليصعد عليه حتى ينظر إلى الإله الذي يدعيه موسى، وحتى نعرف أنّ هذا الكلام من فرعون كلهُ عبثٌ ومحاولة لكسب الوقت.
ومع أنّ فرعون تُظاهر أمام الناس بأنه سيبني صرحاً ليصعد عليه، وينظر إلى إله موسى عليه السلام حتى يتحقق من مدى صدقِ كلامه، فكان عليه أن ينتظر حتى يستجلي الأمر، ولا يصدرُ حكماً مقدماً، ولكنه لم يلتزم بذلك، واتهم موسى بالكذب، فقال: “وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ” وذلك حتى يُخدّر مشاعر الملأ، والقوم الذين شهدوا هذا الموقف.
وقوله تعالى: “وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ” يُفيد أن الاستكبار حتى يكون بحق؛ يكون لحماية ضعيف من بطش قوىً أو مجرم، فهذا أمرُ محمود، وحبين يصف الله تعالى نفسه بالكبرياء والعظمة فهذا الأمرُ لصالحِ الجميع؛ لأنه حماية لنا جميعاً، ففرعون استكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق، أي بغير أن يكون عندهم رصيد ذاتي لهذا الاستكبار، فالاستكبار من الإنسان يعني أن هذا الإنسان يظنُ أنه لن يرجع إلى الله الذي خلقه ورزقه.
معنى وقد خاب من افترى:
قال تعالى: “فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ – قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى” طه: 60-61. إنّ فرعون ترك موسى وبدأ يدبر أموره ويُعد العدة لمواجهتهِ يوم الزينة، ومعنى: “ فَجَمَعَ كَيْدَهُ” فالكيد: هو التدبير الخفي للخصم، وإذا دبرت في الخفاء للخصم فهذه ليست شهادة لك بالقوة، ولكنها شهادة بالضعف؛ لأنك ما دمت تدبر تدبيراً خفيّاً فكأنك لا قوة لك على المجابهة الواضحة، فمن يدس السم لواحد ليتخلص منه، أو يُسلط عليه من يضربه، أو يقتلهُ، هذا معناه أن يضعف عن مواجهتهِ، إذن، فالكيدُ ليس دليل القوة ولكنه دليلُ الضعف، ولذلك بعض الناس حينما يقرأ قول الله تعالى عن النساء: “إنّ كيدكنّ عَظيمٌ” يظنُ أن المرأة أقوى من الرجل، في هذا نقول له: لا ؛ لأنها ما دامت تكيدُ كيداً عظيماً، فهذا دليل على أنّ ضعفها أعظم؛ لأنه لا يكيد إلا الضعف، أما القوي فيُواجه ولا يخاف.
وقال الله تعالى: “قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم” يعني أن موسى كلم السحرة الذين أتى بهم فرعون، وقال لهم: لاحظوا أن لكم ربّاً وإنّ فعلتم أي شيءٍ مخالف لمنهجه فيا ويلكم من عذابه، فهو يحذركم من عاقبة فعلهم ومحاولتهم نصرة فرعون، ومعنى“فَيُسحِتكُم” أي يستأصلكم بعذاب الدنيا، علاوةً على عذاب الآخرة وكلمة “افترى” أي جاء بالفرية، والفرية هي تعمد الكذب.