كيف كان عتاب موسى عليه السلام لأخيه هارون؟

اقرأ في هذا المقال


عتاب موسى عليه السلام لأخيه هارون:

قال موسى عليه السلام لأخيه هارون: “قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي” طه:92-93. إنّ موسى عليه السلام يسأل هارون عن الذي منعه من اتباعهِ حين رأى القوم قد ضلوا؟ والسائل حين يستفهم عن شيءٍ، قد يخاطب إنساناً وهو لا يعلم ذنبه، ولكنه يذكر له صورةً الذنب حتى يسمع الردّ منه، وحتى يكون الردّ على من يعترض عليه، فعمرُ بن الخطاب رضي الله عنه مثلاً وقف عند الحجر الأسود وقال: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضرُ ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبلتك.
إذن فالحجر الأسود هو يُقبله اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك جاء بهذا الكلام؛ من أجل أن يُعطينا الجواب الذي سيظلُ ناطقاً في التاريخ، بأن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي فعل ذلك، فعمر رضي الله عنه آثارها شبهة حتى نسمع منه الردّ يظل سائراً طول الأزمان.

الحوار الذي دار بين هارون موسى عليهما السلام:

لقد كان هارون على أخيه موسى عليه السلام موضحاً موقفه، ومُدافعاً عن نفسه، قال تعالى: “قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي” طه:94. فالحوار بين موسى وهارون لم يقتصر على الكلام فقط، ولكن يبدو أنه صاحبهُ حركة فعل، أخذها من كلام هارون عليه السلام: “لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ“. وعلّة ذلك أن هارون خشي أن يظن موسى عليه السلام أنه فرّق بين بني إسرائيل، ولم يُراعِ نصيحة موسى له، بأن يُصلح بين القوم، والإصلاح: أن يحافظ على سلامة القوم، ويعمل الصالح لهم، فلو دخل معهم في معركة، لقُضي العدد الأكبر من عبدة العجل، على العدد القليل من المؤمنين الموحدين مع هارون، والذين ظلّوا على عهدهم مع موسى عليه السلام، ولو حدث ذلك لانتهت خليّة الإيمان في بني إسرائيل، فهارون اجتهد وعمل على الحفاظ على القوم، في إطار نصيحة موسى له، فكأن موسى عليه السلام سأل هارون، ليسمع منه الإجابة ودفاعه عن نفسه، ليحفظها التاريخ وتسمعها الدنيا كلها.
وقوله: “فلا تُشمِت بي الأعداء”فكأن الذين كفروا من قوم موسى كانت بينهم وبين هارون عداوةً، وقاومهم على قدر طاقته البشرية، وقول الله تعالى: “ولا تجعلني معَ القوم الظالمين” الأعراف: 150؛ أي لا يظن أحد أن هارون انضم إلى هؤلاء الناس الذين عبدوا العجل، أو على الأقل أنهُ وافقهم. إذن فهناك موقفان وهما: موقف موسى عليه السلام الذي يملؤه الغضب تجاه ما حدث، وموقف هارون الذي يبين العلة في أن القوم استضعفوه وكادوا يقتلونه. وحينما قال هارون ذلك، تنبه موسى إلى أمرين:
الأمر الأول: كيف يلقي الألواح وفيها المنهج.

الأمر الثاني:
كيف يأخذ أخاه بهذا الغضب الشديد قبل أن يتبين الحقيقة، حين أحسّ موسى أن الغضب قد أخذه، فمنعه من أن يتريث قبل أن يتصرف، فاتجه إلى السماء، وقال: “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ۖ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” الأعراف:151. وطلب موسى عليه السلام الغفران من الله، كان عن إلقائه الألواح وظلمه لأخيه، ولكن لماذا يطلب موسى الغفران لأخيه؛ لأن هارون كان يجب أن يقاتل هؤلاء القوم الذين كفروا بعد إيمانهم وعبدوا العجل العجل، بعد أن غمرهم الله تعالى بمعجزاته وآياته.

سكوت الغضب عن موسى عليه السلام:

قال تعالى: “وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ” الأعراف:154. فهل الغضب له سكوت وله كلام؟ نقول نعم؛ لأن الغضب يهيّج النفس ويلحّ عليها أن تتحرك وتفعل، والله صوّر الغضب في صورة إنسانٍ يلحُ على موسى أن يفعل كذا وكذا، ولكن عندما أحس موسى وأفاق، وتذّكر أن الله غفورٌ رحيم، سكت عنه الغضب، كأن الغضب هو الذي أهاج موسى عليه السلام حين دخلَ إلى نفسه وأخذ يأمره بكذا وكذا، فلما سكت عنه الغضب عاد موسى عليه السلام إلى هدوئه فكأن سكوت الغضب معناه: أنه زال وانتهى.
عندما زال عن موسى الغضب، ماذا فعل، إن أول شيءٍ فعله أنه أخذ الألواح، فالغضب جعلهُ يُلقي الألواح ويأخذ برأس أخيه، فقال تعالى: “وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ الأعراف:154. ونحنُ نسمعُ كثيراً عن النسخة من الكتاب، والنسخة هي الشيء المنسوخ، أي المنقول من مكان إلى مكانٍ، عندما يوجد كتاب مخطوط ثم نطبعه، نكون قد نقلناه من الأصل إلى الصورة، فيُصبح منسوخاً.



شارك المقالة: