اهتمام الصحابة الكرام بعلامات الساعة:
إنّ المتتبع لحياة الصحابة الكرام يجدّ أن الكثير منهم قد اهتم بعلامات الساعة اهتماماً بالغاً، فالساعةُ تعتبر الأمر الجلل الذي استحوذ على فكرهم ومجالسهم، وهذا يتضح من خلال مناسبات عدةٍ ومنها على سبيل المثال ما يلي:
- عن حذيفة بن أُسيد الغفاري رضي الله عنه قال:”اطَّلَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم علينا ونحن نتَذاكَرُ فقال ما تَذكُرونَ قالوا نَذكُرُ الساعةَ قال إنها لن تَقومَ حتى ترَوا قبلَها عشْرَ آياتٍ فذَكَر الدُّخان والدجَّال والدابَّةَ وطُلوعَ الشمسِ من مَغرِبِها ونُزول عيسى ابنِ مريمَ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم ويَأجوج ومَأجوجَ وثلاثَ خُسوفٍ خَسفٌ بالمَشرِقِ وخَسفٌ بالمَغرِبِ وخَسفٌ بجزيرة العرب وآخِرُ ذلك نارٌ تَخرُجُ من اليمَنِ تَطرُدُ الناسَ إلى مَحشَرِهم” أخرجه المسلم في الفتن وأشراط الساعة.
الشاهد في الحديث: يتضحُ لنا من الحديث أن بعض مذكرات الصحابة كانت عن أمور الساعة وكلمة نتذاكرُ توحي بطول المقام، ودل سياق الحديث على أن هذه المذاكرة تخصصت بموضوع واحد؛ فعقب النبي عليه الصلاة والسلام على مذاكرتهم بذكر أشراط الساعة الكبرى، ولعله استشف من طبيعة مقامهم أنهم يتحدثون عن لحظة قيامها، فبين لهم أن لها أشراطٌ كبرى لا بدّ من وقوعها قبل قيامها، وإجابة النبي عليه الصلاة والسلام قد فتحت لهم مجالات كثيرة جديدة للمذاكرة في الأشراط، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام يُعزز هذه المذاكرة في صحابته الكرام، ويُثيرها ليزيد من اهتمامها بالأمر. - عن حذيفة رضي الله عنه قال:“كنا جلوساً عند عمرَ فقال أيُّكم يحفظُ حديثَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الفتنةِ قال حذيفةُ فقلتُ أنا قال إنك لجريءٌ قال كيف قال سمعتُه يقول فتنةُ الرجلِ في أهلِه وولدِه وجارِه تُكفِّرُها الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ فقال عمرُ ليس هذا أريدُ إنما أريدُ التي تموج كموجِ البحرِ فقال ما لك ولها يا أميرَ المؤمنين إنَّ بينَك وبينها بابًا مغلقًا قال فيكسرُ البابُ أو يفتحُ قال لا بل يُكسَرُ قال ذاك أجدرُ أن لا يُغلَقَ قلنا لحذيفةَ أكان عمرُ يعلم مَن البابُ قال نعم كما يعلم أنَّ دونَ غدٍ الليلةَ إني حدَّثتُه حديثًا ليس بالأغاليطِ فهِبْنا أن نسألَه مَن البابُ فقلنا لمسروقٍ سَلْه فسأله فقال عمر” أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة.
الشاهد في الحديث: ويتضح من الحديث بأن الصحابة على أعلى المستويات كانوا يهتمون بأ حديث الفتن، ويسألون عنها، ويستفهمونُ عن المراد بها، وهذا واضح من سؤال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عن الفتنة التي تموج موج البحر، والحديث أيضاً يُشير إلى تعمقهم في دراسة هذا الباب ومعرفة تفاصيله، فقد جاء حذيفة رضي الله عنه في حديثه عن فتنة الرجل في أهله، فعقب عليه عمر رضي الله عنه بأنهُ يسأل عن غيرها من الفتن، وحدد اسمها. وفي الحديث أيضاً إشارة إلى اهتمام الصحابة في استثمار هذا العلم في فهم واقعهم وحياتهم العملية. - عن أبي إدريس الخولاني أنه سمع حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقولُ:“كانَ النَّاس يَسْأَلُون رسول اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنِ الخيرِ، وَكُنتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِ مخَافَةَ أَنْ يُدرِكَنِي، فَقلت: يا رَسول الله، إنَّا كُنَّا في جاهليَّة وَشَرٍّ، فَجاءَنَا اللَّه بهذا الخَيرِ، فَهل بَعد هذا الخَيرِ شَر؟ قال: نَعَم، فَقُلت: هلْ بَعدَ ذلك الشَّرِّ من خَير؟ قالَ: نَعَم، وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلت: وَما دَخَنُهُ؟ قال: قَوْمٌ يَستَنون بغيرِ سنَّتِي، وَيَهدون بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِف منهمْ وَتُنْكِرُ، فَقُلت: هلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَم، دعَاةٌ علَى أَبوَاب جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهم إلَيهَا قَذَفُوه فِيها، فَقُلت: يا رَسول اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قال: نعَم، قَوْمٌ مِن جِلدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمون بأَلْسِنَتِنا، قُلت: يا رسول الله، فَما تَرَى إن أَدركَني ذلكَ؟ قال: تَلزم جَماعَةَ المُسْلِمِين وإمامَهُم، فَقُلت: فإنْ لَمْ تَكن لهم جَماعَةٌ ولَا إمامٌ؟ قال: فَاعتَزِل تِلك الفِرق كُلَّهَا، ولو أَن تَعَضَّ علَى أَصلِ شَجَرَة حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْت علَى ذلكَ” صحيح مسلم.
الشاهد في الحديث: يتضحُ هذا الحديث صراحة مدى اهتمام بعض الصحابة في أحاديث الفتن والملاحم والعلامات، ولعل أكثر المهتمين في الباب كان حذيفة رضي الله عنه كاتم سرّ رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويتبيّنُ من طبيعة الأسئلة الكثيرة التي كان يسألها حرصه الشديد على معرفة هذا العلم من جميع جوانبه، وفي أدق تفاصيله. وفي الحديث هذا إشارة إلى صبر رسول الله وحلمهُ مع صحابته الكرام وحرصه على إشباع فضولهم في هذا العلم، واهتمامه في إبراز تفاصيل كل مرحلةٍ تمرّ بها الأمة، وعنايته بتوصيف الدواء الشافي لكل داء يصيبها.