كيف يمكن استثمار كتاب الله كمصدر أول من مصادر علامات الساعة؟

اقرأ في هذا المقال


استثمار كتاب الله كمصدر أول من مصادر علامات الساعة:

إن هناك مسلكان يمكن من خلالهما استنباط المعاني المتعلقة بعلامات الساعة من كتاب الله عزّ وجل وهما: القياس على النماذج القرآنية المتعلقة بالأمم السابقة، وتتبع بعض الإشارة القرآنية الدالة على مستقبل الأمة.

القياس على النماذج القرآنية المتعلقة بالأمم السابقة:

إن القرآن عبارة عن أمرٌ ونهي ومثل وقصة، والناظرُ إلى النماذج القصصية في كتاب الله تعالى يجدُ أنها نماذج قليلة قياساً مع عدد الأنبياء والرسل الذين أرسلهم الله تعالى والذين يُعدون بالآلاف، وهذه النماذج على قلتها إلا أنها شغلت مساحةً واسعة من كتاب تعالى وتضمنت علاجاً كافياً وافياً للمشاكل التي تواجه الأمة، أو تَعرِضُ لها إلى قيام الساعة، يقول الله تعالى:”مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ” الأنعام:38. ويُعزز هذا القول ما ورد في الأثر عن القرآن أنهُ فيه: نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم.
إن المقدمة التي تحدثنا عنها في بداية الكلام قد لا تكون بينت لنا وجه العلاقة بين القصص القرآني وبين علامات الساعة، لكن لو انتبهنا لمقصد إيراد هذه النماذج بالذات في كتاب الله تعالى، والغاية التي من أجلها سيقت هذه القصص لوقفنا على أول الطريق الذي يبين هذه العلاقة.

المقصود بالقصص القرآني:

لقد صرحت بعض الآيات لمقاصد القصص القرآني وغاياته منها أن في إيرادها، تثبيت لقلب النبي عليه الصلاة والسلام وأمته حال قيامِهم بأعباء الرسالة من خلال بيان ما قام به من سبقهم وما لاقوه من مخالفيهم. وكذلك هذه القصص هي مجالٌ واسع للتفكير والاتعاظ من خلال بيان طبيعة الصراع بين الحق والباطل على مدار حياة البشرية وعاقبة كل من الفريقين.
ولعل أهم مقصد صرحت به الآيات وهو في ذاته يشتمل الهدفين السابقين، هو أن النماذج القصصية تتضمن وصفاً دقيقاً لحقيقة الصراع بين الحق والباطل، وتبرز كل ما يتصوره البشرية إلى يوم القيامة، وبالتالي هذه النماذج كافيةً لبيان إفرازات كل صراع مستقبلي بين الحق والباطل بكل جزيئاته من خلال قياس ما يستجد من أحداث وصراع على هذه النماذج، وهذا المقصد عبرت عنه الآيات من خلال لفظة العبرة أو الإعتبار.
فقال تعالى:”هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ” الحشر:2.
إن هذه الآية تدل على عدة الأصوليين في إثبات القياس وهو الركن الرابع والدلالة على حجيته في التشريع الإسلامي، ويمكن إيجاز استدلالهم في التالي. فالأياتُ تشير إلى ما حلّ ببني النضير كما يصرح صدر الآية ثم أعقب ذلك بأمر عقلاء الأمة بالاعتبار”فاعتبروا يا أولي الأبصار” أيّ تأملوا فيما نزل بهؤلاء، والسبب الموجب لعقابهم، واحذروا أن تفعلوا مثل فعلهم، فتُعاقبوا بمثلِ ما عوقبتم، فما جرى على المثيل، يجري على مثيله، ممّا يدل على أن الأسباب تابعة لمُسبباتها، فحيثما وجدت الأسباب ترتبت مُسبباتها، وحيثما وجدت العلةُ وجد الحكم، والقياس بهذا المعنى فهو ترتيب المسبب على سببه. وهذا مجمل استدلالهم على اعتبار الآية دليلاً وحجةً في اعتبار القياس، ويأتي هنا بيان وجه العلاقة بين هذا، وما نحن فيه بخصوص علامات الساعة.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال:“لتتبعن سنن الذين من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم. قلنا: يا رسول الله, اليهود والنصارى؟ قال: فمن” متفق عليه. وأخرجه البخاري في الاعتصام. فهذا الحديث فيه إشارة إلى أن أمةَ محمد عليه الصلاة والسلام ستتبع طرق الأمم السابقة ومناهجها، وسيكون هذا الإتباع من باب التقليد الحرفي المطابق لتلك الأمم، وبين لنا هذا الحديث المراد بالأمم السابقة بأنهم اليهود والنصارى.
وهذه دلالة الحديث الصريحة، وهو بذلك يفتح أمامنا أفاقاً قرآنية واسعة في توصيف تلك السنن وما ترتب عليها ممّا أسهب في ذكره القرآن، فلو ربطنا هذا الحديث بقوله تعالى: “فاعتبروا يا أولي الأبصار” استطعنا أن نكتفي بهذا الحديث في استنباط كل علامات الساعة الصغرى، وذلك من خلال تتبع سنن اليهود والنصارى التي بيّنها القرآن ثم قياسها على واقع الأمةِ، واعتبارها علامات تترتب عليها نتائج مشابهةً. يقول: التحايل على الحكم الشرعي واستحلال المحرمات كما حصل مع أصحاب السبت وما ترتب عليه من مسخ ستقعُ الأمة في مثله باستحلالِها محرمات ثابتة التحريم كالخمر والزنا وسيقع في الأمة المسخ نفسه وفي الباب علامات ساعة صريحةً تدل عليه.


شارك المقالة: