لماذا اصطفى الله مريم عليها السلام على نساء العالمين؟

اقرأ في هذا المقال


اصطفاء الله مريم على نساء العالمين:

قال الله تعالى: “وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَال عمران:42″ “الملائكة” قيل أن هو الجبريل علية السلام، وعلّة الحق سبحانه وتعالى يورد ذلك بقوله: “قالتِ الملائكةِ”؛ لأن كلام المتكلم له زواية انطلاق يأتي من جهتها الصوت، وتستطيع أن تتأكد من ذلك إذا سمعت صوتاً فإنك تجدُ ميلَ إذنك لجهةِ مصدر الصوت، فإن جاء مصدر الصوت من ناحية أذنك اليمنى فأنت تلتفتُ وتميلُ إلى يمينك، وإذا جاءك الصوت من شمالك تلتفتُ إلى الشمال، لكن الذي يتكلم هنا هو الملائكةُ يتكلمون بنفسٍ واحد؛ لذلك فالصوتُ قد جاء مريمُ من كلِ جهةٍ حتى يصبح الأمرُ عجيباً.

ماذا قالت الملائكة لمريم عليها السلام؟

لقد قالت الملائكةُ لمريم: “يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ” آل عمران:42. إن في هذه الآية نجد أن الله تعالى لم يورد“عَلَى” في الاصطفاء، وأورد بعدهُ أنه طهّر، ثم أورد في الإصطفاء الثاني: “وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ“.
إذن فلا بدّ لنا أن نعلم ما هو الاصطفاء؟ الاصطفاء: اختيار واجتباء مأخوذ من الصفو، والصفو أو الصافي: هو الشيء الخالص من الكدر؛ لذلك يكون قول الحق سبحانه وتعالى: “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ” أي أنه اختاركِ واجتباكِ، بالإيمانِ والصلاحِ والخُلق الطيب، فكل ذلك بالمعاني، ولم يورد في الاصطفاء الأول على من يكون الاصطفاء، ولكن في الاصطفاء الثاني قال تعالى: “وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ“.
إنّ هنا خروجٌ للرجال عن دائرةِ الاصطفاء، إنهُ ليس موضوعٌ رجالٌ، وإنما هي مُصطفاةٌ على نساء العالمين؛ إذ لا توجد أنثى في العالمين تُشاركها في هذا، لماذا؟ لأنها هي الوحيدة التي ستلدُ من دون ذكر، وهذه مسألة لن يُشاركها فيها أحد.
ولنا أن نسألُ ما نتيجة الاصطفاء؟ لقد عرفنا أن الاصطفاء هو الإجتباء والإختيار، المُصطفى بفتح الفاء يُقتضى والمصطفى بكسر الفاء، والمُصطفى هو الله تعالى، ومن هو الذي اصطفى، وهي التي من وقعَ عليها الإصطفاء، ولكن ما هي علّة الإصطفاء.
إنّ الذي يصطفيه الله، فإنه يصطفيهِ لمهمةٍ وتكون مهمةً صعبةً، إذن فهل يجب على الناس أن يفرحوا بالمصطفى أم لا يفرحوا به، إنّ عليهم أن يفرحوا به؛ لأنه جاء لمصلحتهم وبعد ذلك يقول جلّ وعلا: “يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ” آل عمران:43. فكأنما تقدمَ من حيثيات الاصطفاء الأول والاصطفاء الثاني يستحقُ منه القنوت، أي العبادة الخالصة والخاضعةِ والخاشعةِ لله تعالى.
ومعنى قول الله تعالى: “يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ” إنهُ أمرٌ بالعبادة الخاشعةِ المستديمةِ لربها، وكلمة لربك أي لله خالقكِ الذي رباكِ، فكأن الاصطفاءاتِ نِعمٌ على مريم تستحقُ منه القنوت، وقوله تعالى:”وَاسْجُدِي” أي بالغي في الخشوع والخضوع بوضع الجبهةِ التي هي أشرفُ شيءٍ على الإنسان الأرض، لأن السجود هي أعلى مرتبةٍ في الخضوع، لكن هل هذا اللون من الخضوع يعفيها مما يكون مع الناس؟ لا، إنهُ الأمر الحق يُصدر لمريم “وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ” فليس في فعلكِ السجود وهو القمةِ في الخضوع إعفاءٌ من فعل الركوع، بل أنّ عليكِ أن تركعي مع الراكعين، أي كوني معهم راكعةً. فلا يحقُ لكش يامريمُ أن تقولي أمرني الله بالسجود الذي هو قمة الخشوع والخضوع، فالله تعالى يأمرها أن تكون أيضاً ضمن ركب الراكعين، ولم يقل الحقُ مع الراكعات.
والركوع ليس خاصاً بالمرأة حتى يقول مع الراكعات، ولكنهُ أمرٌ عام يشمل الرجل والمرأة ولو افترضنا أن الحق قال: إركعي مع الراكعات، فهل كان ذلك منعاً للرجال من الصلاة، ومنعها هي من الصلاة؟ لا لذلك جاء الأمرُ لمريم عليها السلام بأن تركع مع الراكعين، ومجيء الأمر عاماً يدخل الراكعات مع الراكعين، ولو قال الله سبحانه وتعالى واركعي مع الراكعات، أي لم يدخل الراكعين في الراكعات، فالمعنى هنا عامٌ ويشمل الجميع.

بماذا شبه اصطفاء مريم عليها السلام؟

قال القرطبي في اصطفاء مريم عليها السلام: إن الاصطفاء هو عَلى عالمي زمانها، كما قاله الحسن وابن جريج، وقيل أيضاً: بأنّ الاصطفاء هو على نساءِ العالمين أجمع إلى يوم الصور، وهو قول الزجاج وهو الصحيح. وروى مسلم أن النبيّ عليه الصلاة والسلام قال: “كمل من الرجال كثيرٌ، ولم يُكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النِّساء كفَضل الثريد على سائر الطعام” رواه مسلم.
ومعنى الكمال يأتي على معنى التناهِي والتمام، والكمالُ المطلق يكونُ لله خاصّةً، وإنّ أكملَ نوع الإنسان الأنبياء ثم يأتي من بعدهم الأولياء من الصِّدّيقين والشهداءِ والصالحين، وإذا تقرّر هذا فقد قيل: إن الكمالَ المذكور في الحديث يعني به النبوة، فيُلزم أن تكون مريم وآسية نبيِّتين، فقد صُرح بذلك، والصحيح أن مريم نَبِيّة؛ لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر النبيين. ولم يرد ما يدل على نبوة آسية دلالة واضحة.


شارك المقالة: