اقرأ في هذا المقال
- سؤال زكريا عليه السلام ربه تعالى علامة تدل على حمل امرأته
- ما سبب امتناع زكريا عليه السلام عن الكلام ثلاثة أيام إلا رمزا؟
سؤال زكريا عليه السلام ربه تعالى علامة تدل على حمل امرأته:
طلب زكريا آية على حمل زوجه:
قال الله تعالى: “قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ” آل عمران:40. إن زكريا يطلبُ علامةً على أنّ القول انتقل إلى فعلٍ، لماذا يطلبُ علامةً إذا كان اللهُ قد: “قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا” مريم:9. لقد كان هذا القول تأكيداً لا شكّ فيه، فبمجردِ أن قال الرب انتهى الأمر، فماذا يُريد زكريا من بعد ذلك؟ إنّ زكريا عليه السلام يطلبُ آيةً أي علامةً على أنّ يحيى قد تمّ إيجادهُ في رَحمِ أمهِ، فكانت استغاثة زكريا هي: يا ربِ لا تتركني أفهمُ بالعلامات الظاهرةِ المُحسةِ؛ لأنني أريدُ أن أعيش في إطار الشكر لك عليه، فبمجرد أن يحدث الإخصاب، فلا بدّ أن أحيا في نطاق الشكر؛ لأن النعمةَ قد تأتي وأنا غيرُ شاكرٍ، إنهُ يطلبُ “آيةً” لكي يعيش في نطاق الشكر، وأيضاً يطلبُ “آيةً” عن شكّ في قدرة الله، معاذ الله، ولكن لأنهُ لا يريدُ أن يُفوت على نفسهِ شُكر النعمةِ من أولِ وجودها.
والذي يُعطينا هذا المعنى هو قوله تعالى: “قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ” آل عمران:41. فهل معنى ذلك أن يمتنع هو عن الكلام؟ أو أن معناهُ أن يرغب في الكلام فلا يستطيع؛ إنّ هناك فارقاً بين أنّ يقدر على الكلام ولا يتكلم، وبين ألّا يقدر على الكلام، وما دامت الآية هبةً من الله، فالحق هو الذي قال له سأمنعك من أن تتكلم مع الناس إلّا رمزاً، أي: بالإشارة، كفاقد القدرة على الكلام، وحتى نعرف أن الآية قادمة من الله، وأن زكريا لا يُريد أن تمر عليه لحظة من نعم الله بدون بدون شكر لله عليها، فإننا نعلم أن الله سينطقهُ.
وقوله تعالى: “وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا” تفيد أن زكريا قادر على الذكر، وغير قادر على كلام الناس؛ لذلك لا يريد الله أن يشغلهُ بكلام الناس، وكأن الله يُريد أنّ يقول: ما دمت قد أردت أن تعيش مع النعمة شكراً، أجعلك غير قادر على الكلام مع الناس لكنك قادر على الذكر. والذكر مطلقاً هو: ذكر الله بآلائه.
لذلك كانت الآية قوله تعالى: “أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ” فالحقُ جعل الآية هي ألا يُكلم زكريا الناس ثلاثة أيامٍ إلا بالإشارة، وقد يكون عدم الكلام في نظر الناس مرضاً. لا، إنهُ ليس كذلك؛ لأن الحق يقول له: “وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ” إنّ الحق يجعلُ زكريا قادراً على التسبيحِ وغير قادر على الكلام. فتلك قدرةً أخرى من طلاقةِ الله، إنّ اللسان الواحد غير قادرٍ على الكلام إلا بالرمز، ولو حاول أنّ يتكلم لما استطاع، ولكن هذا اللسان نفسه أيضاً يُصبحُ قادراٌ فقط على التسبيح بالعشي والإبكار، وذِكر الله؛ إنهُ ذكرَ الله باللسان وسمعهِ الناس؛ إنها بيانٌ لطلاقة القدرة.
ما سبب امتناع زكريا عليه السلام عن الكلام ثلاثة أيام إلا رمزا؟
لقد كان صومَ زكريا عليه السلام مُختلفًا بمغزاه عن صومِ مريم عليها السلام. حيث كان صومَ زكريا صيام لمدة ثلاثة أيام عن الكلام إلا رمزًا. والهدف من فعل زكريا عليه السلام منه موضّح في آيات من سورة مريم وسورة آل عمران كالتالي:
سُوۡرَةُ مَریَم: يَـٰزَڪَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُ مِن قَبۡلُ سَمِيًّا (٧) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ وَڪَانَتِ ٱمۡرَأَتِى عَاقِرًا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡڪِبَرِ عِتِيًّا (٨) قَالَ كَذَالِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡـًٔا (٩) قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّىٓ ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡہِمۡ أَن سَبِّحُواْ بُكۡرَةً وَعَشِيًّا (١١).
سُوۡرَةُ آل عِمرَان: هُنَالِكَ دَعَا زَڪَرِيَّا رَبَّهُ ۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ (٣٨) فَنَادَتۡهُ ٱلۡمَلَـٰٓٮِٕكَةُ وَهُوَ قَآٮِٕمٌ يُصَلِّى فِى ٱلۡمِحۡرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحۡيَىٰ مُصَدِّقَۢا بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٣٩) قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ وَقَدۡ بَلَغَنِىَ ٱلۡڪِبَرُ وَٱمۡرَأَتِى عَاقِرٌ قَالَ كَذَالِكَ ٱللَّهُ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ (٤٠) قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّىٓ ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُڪَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزًاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ ڪَثِيرًا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِىِّ وَٱلۡإِبۡڪَـٰرِ (٤١).
في تلكَ الآيات البينات يُعلّمنا الله تعالى علم الوقت أو المدَّة الّتي فيها يتم أو يثبُت الحمل عند المرأة. فمن المعروف في علم الطب والأجنّة، نرى أنَّ بويضة أو نطفة الأنثى تُلقَّح أو تُمنى خلال 24 ساعةَ (أي خلال يوم)، وبعدها يتعرّض جسم المرأة إلى الكثير من التغييرات، كما أن المرأة تحتاج إلى 3 أيام حتى يثبت الحمل لديها.
ولذلك كان جوابه لزكريّا عليه السلام عندما طلب منه زكريا “أن يجعل لَهُ آيةً”، أي “أن يُعطيهِ دليل أو إثبات أو علما لإتمام الحمل”، وهو “أن لا يُكلِّمَ الناسَ ثلاثَ ليالٍ سوِيًّا”، أو “أن لا يكلِّمَ الناسَ ثلاثةَ أيّامٍ إلاَّ رمزًا”، بمعنى أنه سوف ينتظر 3 أيام قبل أن يخبر قومهُ بحمل امرأتَهُ حتى يتأكدَ من ثبوت الحمل، لأنَّ امرأتَهُ كانت معروفة في قومها أنها عاقر، فلن يصدِّقوه إلاَّ أن يأتي لهم بالدليل، ولذلك كان عليه أن ينتظر ثلاثة أيام قبل أن يأتيهم بالدليل، حتى يثبت لهم قوة وإرادة الله تعالى في حمل امرأته العاقر الذي يهدُف لخلق يحيى وبعثه في قومه.