اقرأ في هذا المقال
السبب الذي لم يسمح فيه النبي لعمر بقتل ابن صياد:
إنّ منع النبي عليه الصلاة والسلام لعمر من قتل ابن صياد؛ وذلك لاحتمالينِ في ظاهرة الصياد وهما:
الاحتمال الأول: إما أنّ يكون ابن صياد هو الدّجال الأكبر، وأن فتنتهُ لا محالة حاصلة؛ وذلك لأنها جزءً من قضاء الله وقدره الحتمي، وبالتالي فلن يستطيع عمر رضي الله عنه أنّ يُسلط عليه بقتله.
الاحتمال الثاني: وهو أنّ لا يكون ابن صياد الدّجال الأكبر؛ لذا لا يكون في قتله خيرٌ لعمر رضي الله عنه؛ لأن ابن صياد غلام لم يبلغ الحلم بعد. وهناك سببٌ آخر، وهو بأن هناك مهادنة كانت بين يهود المدينة والنبي عليه الصلاة والسلام فيكون في قتل ابن صياد وهو صبيّ من اليهود مدعاة لإثارة الفتنة، ورأى أن التعليل الأخير بعيد، خاصةً إذا علمنا أنّ ظاهرة ابن صياد قد أثيرت في مراحل متأخرة من العهد المدني، كما يتضح من سياق بعض الأحاديث، وفي هذه المرحلة كانت قد انتهت كل المعاهدات بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين يهود المدينة، والتي كان آخرها في السنة الخامسة بعد غزوة الخندق وغزوة بني قريظة.
لماذا حرص النبي على تتبع أحوال ابن صياد ومعرفة خبره:
إنّ أحوال ابن صياد قد انتشر ذكرها في المدينة واختلطَ الفهم في توصيفها، لذا وجد النبي عليه الصلاة والسلام بصفته إمام الأمة ونبيها ضرورة في امتحان ابن صياد وكشف حاله للصحابة الكرام في أنّ ما يقع معه هو إما ضرب من ضروب الكهانة، أو حال شيطانيةً رافقتهُ، وبالتالي يمكن تفسير حرص النبي عليه الصلاة والسلام على معرفة حقيقة ابن صياد أنه من باب كشف أحوال من يُخاف مفسدته، ويتوقع منه إثارة الفتن بين المسلمين.
لماذا لم يحسم النبي عليه الصلاة والسلام القول في حقيقة ابن صياد ليتضح أمره للصحابةِ؟ إنّ هذا الحديث يُبين ذلك الأمر، وهو عن أبي بكرة رضي الله عنه قال أكثر الناس في مسيلمة قبل أنّ يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيه شيئاً فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال: “أما بعد ففي شأن هذا الرجل الذي قد أكثرتم فيه وإنه كذابٌ من ثلاثين كذاباً يُخرجون بين يدي الساعة وإنهُ ليس من بلدةٍ إلا يبلغها رُعبُ المسيح إلا المدينة على كلّ نقب من نقابها ملكان يذبّان عنها رُعب المسيح”. أخرجه أحمد في مسند البصريين.
الشاهد في الحديث:
إنّ هذا الحديث يتكلم عن فتنة مسيلمة الكذاب، والذي نلاحظه من هذا السياق أنّ الصحابة أكثروا القول فيه، ممّا كان من النبي عليه الصلاة والسلام إلا أنّ بين حقيقة هذا الرجل بأنه كذاب من ثلاثين كذّاب آخرهم المسيح الدّجال، وهذا الحديث يبرز منهج النبي عليه الصلاة والسلام في شأن هؤلاء الكذابين، وهو بيان حقيقتهم لئلا يلتبس على الناس أمرهم.
أما في قصة ابن صياد فقد ثبت أنّ النبي عليه عليه الصلاة والسلام قد توقف فيها، ولم يقطع بكونه الدّجال أو غيره، ولم ينقل لنا عدول النبي عليه الصلاة والسلام عن توقفه بخصوصه، حتى بعد قدوم تميم، مع أن المقام مقام بيان في أمر نال اهتماماً كبيراً من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر الناس القول فيه. بل إنّ دواعي بيان حقيقة ابن صياد أقوى من بيان حقيقة مسيلمة، وذلك لسببين وهما:
السبب الأول: إنّ ملاحظة النبي عليه الصلاة والسلام للالتباس الشديد الذي وقع فيه كبار الصحابة في شأنّ ابن الصياد، وسمع بنفسه قسم عمر رضي الله عنه بالجزم في أنه الدّجال، وقد يكون هذا القسم وقع من غيره بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، ولوحِظَ أيضاً موقف أبي ذر، وابن عمر رضي الله عنهما، إذا أكثر الصحابة وأكابرهم لُبس عليهم الأمر بشأن ابن صياد، وهذا مقام يستدعي البيان الشافي في حقه.
السبب الثاني: إنّ المعلوم أنّ فتنة ابن صياد كانت في قلب المدينة، ولها علاقة في أذهان الصحابة بأعظم فتنةٍ على وجه الأرض، والشبهات التي أثيرت حولها شغلت فكر الصحابة، ونالت الكثير من حديثهم، بينما فتنة مسيلمة فقد كانت بعيدة جداً عن ديار الصحابة.
لماذا لم يفصل النبي عليه الصلاة والسلام في القول بشأن ابن صائد، كما فعل في قصة مسيلمة مع أنّ الدواعي لبيان القول الفصل بشأنه أهم من مسيلمة؟ يُجاب على هذا السؤال بأنّ النبي عليه الصلاة والسلام اكتفى في شأنه بما ورد في قصة تميم، وهذا القول لا يسلم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام وإنّ أقر تميم فيما حدث به عن الدّجال الموجود في احد الجزائر، إلا أنه لم يرد عنه أيّ تصريح بنفي كون ابن صياد أنه الدّجال، وهذا أمر غريب، خاصةً أنه رأى من بعض أصحابه من يقسم بأنه الدّجال وكان من حال النبي عليه الصلاة والسلام التوقف في شأنه قبل ذلك.