عقوبة الإعدام والأدلة على جوازها:
إن عقوبة الإعدام هي عقوبة مقررة في الشريعة الإسلامية على وجه القصاص لجريمة القتل العمد. وعلى سبيل الحد في جريمة المُحاربة، وفي جريمة الزنا للمحصن، وفي جريمة الردة، وفي جريمة البغي، وهذا على خلاف في هذه الجريمة. وهذا يكون عن الإعدام قصاصاً أو حداً.
أما إذا انتقلنا إلى نطاق التعزير، فهل أقرت الشريعة الإسلامية هذه العقوبة القصوى في هذا المجال؟ لقد جاء في حاشية ابن عابدين إن من أُصول الحنفية أن ما لا قتلَ فيه عندهم، كالقتلِ بالمثقل والجماع في غير القبل، إذا تكرر من الجاني فيحقُ للإمام أن يقتله، وأن له كذلك أن يزيد على الحدّ، إذا ظهرت له فيه مصلحةً.
ويأخذون ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه من القتل في مثل هذه الجرائم على أنهم رأوا فيه المصلحة؛ ولذلك يسمّى بالقتل سياسة، وأنه يؤخذ من ذلك أن الحنفية يُجيزون لولي الأمر أن يُعزر بالقتل في الجرائم التي شرع القتل في جنسها إذا تكرر ارتكابها.
وبناء على هذا الأصل ذهب أكثرهم إلى قتل من أكثر من سبّ النبي عليه الصلاة والسلام من أهل الذمة، وإن أسلم بعد أخذه، وسموه بالقتل سياسة، وكذلك قتل السارق سياسة، إذا تكرر منه فعل السرقة. وقتل من تفي الساحر أو الزنديق الداعية، إذا قبض عليه قبل أن يتوب، ثم تاب، فإن توبته لا تقبل ويُقتل.
وعند المالكية أجازوا القتل تعزيراً في بعض الجرائم. ومثلوا لذلك بالجاسوسِ المسلم، يتجسسُ للعدو على المسلمين، والداعية إلى البدعة. وقيلَ أن مالكاً جوز قتل القدرية؛ لأجل الفساد في الأرض، لا لأجل الردة.
أما الشافعية، أجاز بعضهم قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة، وهناك رأى في اللواط، بأن عقوبته القتل للاثنين، دون تفرقة بين محصنٌ وغيره.
أما الحنابلة: قال بعضهم بجواز قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين، ومن هؤلاء ابن عقيل. كما قال بعضهم بجواز قتل الداعية إلى البدع في الدين. وكذلك كل من لم يندفع فساده إلا بالقتل فإنه يُقتل، ومن هؤلاء من تكرر منه جنس الفساد، ولم يرتدع بالحدود المقدرة.
أما الدليل على حجتهم، هي:
1. قتل شارب الخمر في الرابعة، بدليل ما رواه أحمد في المسند عن ديلم الحميري، قال سألت النبي عليه الصلاة والسلام، فقلت: يا رسول الله: إنا بأرضٍ نعالج فيها عملاً شديداً، وإنا نتخذ شراباً من القمح، نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا فقال: “هل يُسكر؟ قلت: نعم، قال:اجتنبوه. قلت: إن الناس غيرَ تاركيهِ، قال:”فإن لم يتركوهُ فاقتلوهم.
2. وإن المفسد في الأرض كالصائل، إذا لم يندفع إلا بالقتل قُتل. وقد ذكر البعض حديث: ” لا يحلُ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله بإحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة”. إذ أن المفهوم من هذا الحديث أن عقوبة القتل لا تكون إلا في ثلاث أحوال فقط، وهي القتل العمد العدوان والزِنا للمحصن، والردة. وهذا المفهوم قد أخذ به بعض العلماء، وقال: لا يحل القتل إلا في الثلاثة.
وممّا يؤيد هذا فضلاً عما تقدم أن القرآن الكريم قد ذكر القتل عقوبة في آية المحاربة، وهي قوله تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ“المائدة:33. ففي هذه الآية جعل القتل عقوبة لمجرد السعي في الأرض بالفساد، ويستوي عند كثير من الفقهاء في حكم هذه الآية، أن يكون الجاني قد باشر قتلاً أو لم يُباشر.
أيضاً ذكر القرآن أيضاً القتل في آية البغاة، وهي قوله تعالى:”وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ“الحجرات:9. وقال البعض قال: إن هذه الآية الكريمة وردت في قتال أهل البغي وليس فيها القصد إلى قتلهم، ولكنى أقول إن الأمر بقتال أهل البغي يتضمن حل دمهم حتى يفيئوا إلى أمر الله، والقتل آثار القتال غالباً، وهذه الحالة أيضاً ليست من حالات الحديث على الراجح.
وفي الآخر أن الحديث الذي تطرقنا إليه، لا ينهض دليلاً على عدم جواز القتل تعزيراً، ولا يقف حائلاً، أما المشرع في أن يفرض عقوبة الإعدام على سبيل التعزير في الحالات التي يرى أن من الصالح العام فرضها فيها وقايةً للمجتمع وتأمنيناً للأمة ودفعاً للفساد من أن يستشري فيها، فهذه غايات جليلة قد تبرر ذلك.