الأرش:
الأرش: لقد عُرف الأرش بأنه هو عبارة عن اسم المال الواجب بالجناية على ما دون النفس. وقد عرفه البعض مثل الحنفية بأنه هو النقص الذي يحصل بالجناية أو هو “النقص الحاصلِ بالجناية”.
أرش جراح الكافر:
ينقسم الكفار باعتبار الكتاب السماوي إلى قسمين: أهل كتاب، ومن هم ليسوا بأهل الكتاب. ولكن أهلُ الكتاب فهم صنفان وهم: اليهود ومن تبعهم من السامرة وكتابهم التوراة، والنصارى ومن تبعهم من الصَابئين وكتابهم الإنجيل، وأما من ليسو بأهل كتاب فهم المجوسُ وأهلُ الأوثانِ. وينقسم الكفار باعتبار علاقتهم بالدولة المسلمة إلى ثلاثة أقسام:
– أهل الذمة: وهم الكفار الذين تم إقرارهم على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الإسلام.
– المعاهدون: هم الكفار المحاربون الذين يتم التعاقد بينهم وبين المسلمين على ترك القتال مدة معلومة.
– الحربيون: فهم أهل بلاد الكفر الذين لم يجرِ بينهم وبين المسلمين عهدٌ وولاء، لا أرشٌ لهم باتفاق العلماء؛ لأن دِماءهم هدر، لكن الخلاف وقع بينهم على أرشُ الذمي والمعاهد. وسنبينُ في هذا المقال إلى أرش الذمي والمجوسي ويأتي ذلك في فرعين:
أرش جراح الذمي:
اختلف الفقهاء فيما جرح المسلم ذميّاً، هل يتساوى مقدار أرش الذمي بمقدار أرش المسلم أم يختلف عنه، وفيما يلي تحرير محل النزاع لهذه المسألة.
مذاهب العلماء:
المذهب الأول: المسلم والذمي والمستأمن سواء في الأرشِ والديات، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، ومروي عن عمر وعثمان وابن مسعود ومعاوية.
واستدلوا القائلون بتساوي أرش المسلم مع الذمي بمايلي:
– قول الله تعالى:”وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا“النساء:92. ففي الآية الكريمة أطلق االله لقول بالدية في جميع أنواع القتل من غير فصل فدل على أن الواجب في الكل واحد.
– ما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم:”ودى ذمياً دية مسلم”.
المذهب الثاني: أرش الذمي نصف أرش المسلم، وهو مذهب المالكية الحنابلة.
استدل القائلون بأن أرش الذمي نصف أرش المسلم بما يلي:
– ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بأن عفلُ أهل الكتاب نصفُ عقل المسلمين.
المذهب الثالث: أرش الذمي نصراني أو يهودي ثلث أرش المسلم، وهو مذهب الشافعية.
واستدل القائلون بأن أرش الذمي ثلث أرش المسلم بما يلي:
– قضاء عمر وعثمان بذلك ؛ فقد روى ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب، قال: ديّة اليهودي والنصراني أربعة آلاف، وروي سعيد بن المسيب قال: قضى عثمان في ديّة اليهودي والنصراني بأربعةِ آلاف.
والبعض يميل إلى ترجيح المذهب الثاني، بأن أرش الذمي نصفُ أرش المسلم؛ لقضاء النبي عليه الصلاة والسلام، بذلك وهو صحيح، كما أن الأدلة التي استند إليها أصحاب المذهب الأول لا تصلح للاحتجاج بها لضعفها.
أرش المجوسي:
والمجوسي هو: الذي يعبد النار، والوثني هو الذي يعبد الأصنام.
اختلف العلماء في أرش المجوسي فمنهم من ساواه بالمسلم الحر ومنهم من لم يساوه به.
مذهب العلماء:
المذهب الأول: أرش المجوسي ثُلث خمس أرش المسلم وهو رأي جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة.
استدل جمهور الفقهاء على ما ذهبوا إليه بأن أرش المجوسي ثُلث خمس أرش المسلم بما يلي:
– إجماع الصحابة بذلك ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعاً.
– لأن نقصان الكفر فوق نقصان الأنوثة، فإذا نقصت الديّة بصفة الأنوثة، فالبكفرِ أولى ويتفاحش النقصان إذا انضم إلى كفره عدم الكتاب.
المذهب الثاني: وهو أرش المجوسي والمسلم سواه، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه والثوري وعثمان البتي والزهري والنخعي والشعبي وإبراهيم النخعي. واستدل أصحاب المذهب الثاني وهم أبو حنيفة وأصحابه على تساوي أرش الكافر مع المسلم بما يلي:
– قوله تعالى: “وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ” فقد أطلق القول بالديّة في جميع أنواع القتل من غير فصل فدل أن الواجب في الكل على قدر واحد.
– ولأنه آدمي حر معصوم فأشبه المسلم.
وقد رجح البعض أصحاب المذهب الأولP وذلك لقوة الأدلة التي استندوا إليها، حيث ورد إجماع الصحابة على ذلك ولم يعرف مخالف لهم في عصرهم. وأن المجوسي آدمي معصوم مثل المسلم ويُحرم الاعتداء على بدنه، ويجب الأرش على الجاني بالاعتداء عليه؛ إلا أن هناك أحاديث كثيرة شددت على حرمة دم المسلم خاصة، ودل ذلك على أن المجوسي يُخالف المسلم في ديّته.