إجراءات الصلح في العرف مع الشريعة الإسلامية:
أولاً: لقد عُرف أن الصلح ممدوح في الشريعة الإسلامية، وهو سيد الأحكام، وقد وردت نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم التي تدل على مشروعيته وفضله. وهو كذلك بالنسبة للعرف فهو سيد الأحكام، وأحسن حلّ للقضايا الخلافية بين الناس، فهم يسعون إلى فض النزاعات بناءً على اتفاق مشترك بين طرفي الخصومة، فهو أحسن وسيلة وتوجه لتحقيق العدالة لتضييق شقة الخلاف بين المتخاصمين. وهنا يظهر لنا التوافق بين الشريعة والعرف على أهمية الصلح بين الناس.
ثانياً: رضى الطرفين في الصلح، وهذا بالنسبة الشريعة ملزمٌ؛ لأن الصلح معناه “عبارة عن معاقدة يرتفع بها النزاع بين الخصوم، ويتوصل بها إلى الموافقة بين مختلفين”. فهو عقدُ مراضاة: يُصبح لازماً بعد انعقاد الصلح. وهو كذلك في العرف حيث لا يعتبر نهائياً وملزماً، إلا ارتضاه أطراف النزاع. وهنا يظهر لنا التوافق بين الشريعة والعرف في رضى طرفي النزاع حتى يصبح الصلح ملزماً وناقذاً.
خطوات الصلح بين الشريعة والعرف:
إن الخطوات والإجراءات التي يقوم بها أهل العرف متوافقة بشكل كبير في الشرع. فالاستجارةِ والوجه والصلح هي أمورٌ مشروعة، وهي من باب الجوار والحماية والإصلاح بين الناس. وذلك لحديث أم هاني بنت أبي طالب وفيه: “قالت: يارسول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً قد أجرته فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هاني”. أما عن العطوة: فهي جائزة شرعاً؛ لأنها من الأمور التي تساعد على الصلح، فهي عبارة عن هدنة بين الطرفين، يلتزم بها صاحب الحق بعدم القيام بأي نشاطٍ حربي ضد خصمه مهما كانت الأسباب.
وثمة نوعٌ من أنواع العطاوي يسمّى العطوة الصافية مقطوعة المصالح ” ومفادها لا يجوز للطرف الأول أن يُقدم اعتراض على دعوى الآخر ولو كان فيه إجحاف به”. وهذا أمرٌ ممنوع؛ لأن أي شرط تتضمنهُ العطوة مخالفٌ لكتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم فهو باطل شرعاً، لقوله عليه الصلاة والسلام “الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً حرمَ حلالاً أو أحل حراماً، والمُسلمين على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو حل حراماً”.
أما في العرف القبلي: فالإجراءاتِ والخطوات التي يقوم بها أهل العرف للإصلاح هي: الاستجارة، الوجه، العطوة، الصلح العشائري. وهكذا نرى توافقاً كبيراً بين الشريعة والعرف في الخطوات والإجراءاتِ التي يقوم بها أهل العرف، إلا في العطوة الصافية، وأخذ المال من غير مصاريف العلاج في فراش العطوة.