القتل بالتسبب:
إن في هذا النوع من القتل يكون فعل الجاني مباحاً في الأصل، ولكنه تعدى فيه دون أن يقصد ارتكاب جريمة، فيتسبب عن فعل الجاني هذا قتل آخر لم يقصد قتله، وتكون علاقة السببية بين فعل الجاني والقتل غير مباشرة. ويسمّي الحنفية هذا النوع من القتل بالقتل بالتسبب، باعتبار أنه في معنى القتل الخطأ من وجه دون، فهو يتفق مع القتل الخطأ في أن الجاني لم يقصد بفعله النتيجة التي حدثت بتعديه ويختلف عن الخطأ في أن القتل الخطأ يقع عن طريق المباشرة والقتل بالتسبب يقع عن طريق التسبب.
أما الشافعية والحنابلة وغيرهم، فيعتبرون هذا القتل من القتل الخطأ، ويدخلونه فيه على أساس أن القاتل بطريق التسبب هو متسبب، بفعله الذي تعدى فيه، في قتل المجني دون قصد منه إلى القتل.
أمثلة على القتل بالتسبب:
يدخل في هذا النوع من القتل، القتل الناتج من إحداث شيء في الطريق العام، كمن يحفر فيه بئراً ويقعُ فيها شخصاً آخر فيموت من ذلك، أو يضع فيها شيئاً كحجرٍ أو ما شابه ذلك يتعثر فيه المارةُ من الطريق فيتسبب ذلك موت شخص آخر، فتلك الحالتين نجد أن الجاني كان متعدياً فيما فعل، إذا ليس له أن يحدث في الطريق العام ما يتعثر به المارة، أو يكون السير معه في الطريق مملوءً بالمضار، فالموت الذي يحصل من ذلك الأمر، فإنه يُعتبر موتاً بالتسبب؛ لأن الشخص الذي يحفر في الطريق ويضع مثل هذه الأحجار هو الذي تسبب بفعله في هذا القتل.
ومن ذلك أيضاً من يُخرج جزءاً من بناءٍ له في الطريق العامة، فيصطدمُ بهذا الجزء إنسان فيموت؛ وذلك لأن الجاني متعدِ فيما أحدث، إذ أنه شغل به الطريق العامة دون حق فيكون هذا الأمر الذي سبب القتل. وأيضاً هناك سائق الدابة أو صاحبها الذي يقودها بالطريق العام، فإذا دعست هذه الدابة على إنساناً فقتلته؛ لأن القتل حصل بتسبب القائد أو السائق مع عدم وجود المباشرة فيه بخلاف الراكب، ويأخذ هذا الحكم أن يسقط شيء من على دابةٍ في الطريق معها سائق أو قائد فيموت من ذلك الشيء إنسان، ومن ذلك أيضاً الذي يُرسل الدابة في الطريق فتصيب إنساناً فيموت من هذه الإصابة، إذ إن الجاني في هاتين الحالتين يُعتبر متعدياً في فعله إذ ترك دابته في الطريق دون رعاية أو ملاحظة فأحدثت الإصابة التي كان منها القتل، ولما كان القتل ناشئاً عن تسبب صاحب الدابة دون أن يكون مباشراً منه، فإنه يدخل في القتل بالتسبب.