تعجيل المهر وتأجيله:
المهر: وهو ما يُجعل للمرأة في عقد النكاح أو بعده؛ ممّا يباح شرعاً من المال معجّلاً أو مؤجّلاً. لقد أعطى الشرع كل من طرفي العقد حرية الاتفاق على طريقة دفع المهر للزوجة فيما إذا كان كلّه معجلاً او كلّه مؤجلاً أو الاتفاق على تنصيفه أو تجزئته الى جزأين، وفي حال عدم الاتفاق بينهما على ذلك، يتم اللجوء الى العُرف ويلاحظ بأن العرف السائد لدينا يذهب الى تجزئة المهر الى جزأين أحدهما معجّل والآخر مؤجّل، ولايشترط هنا تساوي الجزأين، إذ إنه في بعض الأحيان يكون المعجل أقل مقداراً من المؤجل . لكن الأمر يبقى خاضعاً في كل الأحوال للاتفاق مبدئياً.
أجاز الفقهاء تأجيل المهر، فقال الحنفية: “يصح كون المهر معجلاً أو مؤجلاً كله أو بعضه إلى أجل قريب أو بعيد أو أقرب الأجلين وهما: الطلاق أو الوفاة، عملاً بالعرف والعادة في كل البلدان الإسلامية، ولكن بشرط ألا يشتمل التأجيل على جهالة فاحشة، بأن قال: “تزوجتك على ألف إلى وقت الميسرة، أو هبوب الرياح، أوإلى أن تمطر السماء، فلا يصح التأجيل، لتفاحش الجهالة”.
وإذا اتفق صراحة على تقسيط المهر، عمل به؛ لأن الاتفاق من قبيل الصريح، والعرف من قبيل الدلالة، والصريح أقوى من الدلالة. وإذا لم يتفق على تعجيل المهر أو تأجيله، عمل بعرف البلد؛ لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. وإذا لم يكن هناك عرف بالتعجيل أو التأجيل، استحق المهر حالاً؛ لأن حكم المسكوت حكم المعجل؛ لأن الأصل أن المهر يجب بتمام العقد، لأنه أثر من آثاره، فإذا لم يؤجل صراحة أو عرفاً عمل بالأصل؛ لأن هذا عقد معاوضة، فيقتضي المساواة من الجانبين.
وأجاز الشافعية والحنابلة: تأجيل المهر كله أو بعضاً منه لأجل معلوم؛ لأنه عوض في معاوضة. فإن أطلق ذكره اقتضى الحلول، وإن أُجّل لأجل مجهول كقدوم زيد ومجيء المطر ونحوه لم يصح؛ لأنه مجهول، وإن أُجّل ولم يُذكر الأجل، فالمهر عند الحنابلة صحيح ومحلّه الفرقة أو الموت، وعند الشافعية: المهر فاسد ولها مهر المثل”.
وفصّل المالكية في حكم التأجيل فقالوا: ” إن كان المهر معينا حاضراً في البلد كالدار والثوب والحيوان، وجب تسليمه للمرأة أو وليها يوم العقد، ولا يجوز تأخيره في العقد، ولو رضيت بالتأخير، فإن اشترط التأجيل في العقد، فسد العقد إلا إذا كان الأجل قريباً كاليومين والخمسة. ويجوز للمرأة التأجيل من غير شرط، ويكون تعجيله من حقها”. وإن كان المهر العين غائباً عن بلد العقد، صحّ النكاح إن أجّل قبضه بأجلٍ قريب بحيث لا يتغير فيه غالباً، وإلّا فسد النكاح.
شروط جواز تأجيل المهر:
ويشترط لجواز تأجيل المهر شرطان وهما:
الأول: أن يكون الأجل معلوماً: فإن كان مجهولاً كالتأجيل للموت أو الفراق فَسُد العقد، ووجب فسخه، إلا إذا دخل الرجل بالمرأة، فيجب حينئذٍ مهر المثل.
الثاني: ألّا يكون الأجل بعيداً جداً كخمسين سنة فأكثر، لأنه مظنة إسقاط الصداق، والدخول على إسقاط الصداق
مُفسد للزواج وهناك أدلة بمذهب الحنفية تنص على مايلي:
1. يجوز تعجيل المهر أو تأجيله كلاً أو بعضاً، وعند عدم النص يتبع العرف.
2. التأجيل في المهر يترك إلى حين البينونة أو الوفاة، ما لم ينص في العقد إلى أجل آخر.
حكم إعسار الزوج بالمهر:
إذا عَجَز الزوج عن دفع معجل المهر، لم يكن للزوجة عند الحنفية وفي الأصح عند الحنابلة “الحق في طلب فسخ الزواج بأي حال، سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده، وإنما لها الحق في منع نفسها من الزوج، وعدم التقيد بإذنه
في الخروج لزيارة أهلها، والسفر معه، وما شابه ذلك.
وقال المالكية والشافعية: للزوجة الحق في طلب الفسخ حينئذ، والصحيح عند الشافعية أن لها فسخ الزواج قبل الدخول وبعده. وعند المالكية قبل الدخول لا بعده. وذكر الحنفية، أنه إن اشترط تأجيل المهر كله مدة معينة كسنة، فإن اشترط الزوج الدخول قبل حلول الأجل، فليس لها الحق في الامتناع، وإن لم يشترط الدخول، فليس لها الامتناع أيضاً عند أبي حنيفة؛ لأنها لما رضيت بتأجيل المهر كله، كان ذلك رضاً منها بإسقاط حقها في تعجيل المهر. وقال أبو بوسف: للزوجة أن تمنع نفسها حتى يحلّ أجل تسليم المهر؛ لأن الزوج رضي بإسقاط حقه بالاستمتاع.
ضمان الولي المهر:
يرى الحنفية أنه إذا ضمن وليّ الزوجة أو وكيلها المهر لها، صح ضمانه؛ لأنه من أهل الالتزام، والوليّ والوكيل
في النكاح سفير ومعبر. ولذا ترجع حقوق العقد إلى الأصيل، وللمرأة الخيار في مطالبة زوجها أو وليّها، كسائر الكفالات. ويرجع الوليّ إذا أدى على الزوج إن كان الضمان بأمره، كما هو المقرر في الكفالة.