ماذا يعني سجود التلاوة في الصلاة؟

اقرأ في هذا المقال


سجود التلاوة في الصلاة:

إنّ ما يجلب الخشوع في الصلاة هو سجود التلاوة، وذلك لحديث أبي هريرة لرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، وفي روايةٍ يا ويلي أُمر ابن آدم بالسجود، فسجدَ فلهُ الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار” رواه مسلم. وهذا الحديث فيه الحث على سجود التلاوة والترغيب فيه.
إنّ سجود التلاوة هو سنةٌ مؤكدة على الصحيح للتالي والمستمع، وذلك بدليل حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قرأ النبي عليه الصلاة والسلام النجم بمكةَ فسجدَ بها، فما بقيَ أحدٌ من القوم إلّا سجد، غير شيخٍ أخذ كفّاً من حصى أو تراب ورفعهُ إلى جبهتهِ، فسجدَ عليه، وقال: يكفيني هذا، فرأيتهُ بعد ذلك قُتلَ كافراً، وهو أميةَ بن خلف، وفي روايةٍ، أولُ سورةٍ أنزلت فيها سجدة”والنجم” فسجدَ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسجدَ من خلفهِ” متفق عليه.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد ونسجدُ معه، فنزدحم حتى ما يجد أحدنا لجبهتهِ موضعاً يسجدُ عليه” ولفظ مسلم: “أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ القرآن، فيقرأ سورة فيها سجدة، ونسجدُ معه” متفق عليه.
فالأحاديث هذه تدلُ على أهمية سجود التلاوة ومشروعيتهِ المؤكدة، وعناية النبي عليه الصلاة والسلام به، ولكن دلت الأدلة الأخرى على عدم الوجوب، فقد ثبت أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزلَ فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة، قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: “يا أيها الناس إنما نمرُ بالسجود، فمن سجدَ فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه” ولم يسجد عمر رضي الله عنه، وفي لفظٍ آخر: إنّ الله لم يفرض علينا السجود إلّا أنّ نشاء.
ومن أو ضح الأدلة على أنّ سجود التلاوة هو سنةٌ مؤكدة وليس بواجبِ حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: “قرأتُ على النبي عليه الصلاة والسلام “والنجم” فلم يسجد فيها. متفق عليه.

رأي الإمام النووي في سجود التلاوة:

لقد رجح الإمام النووي والحافظ ابن حجر وابن قدامة رحمهم الله بأن حديث زيد بن ثابت هذا محمولٌ على بيان جواز عدم السجود، وأنه سنةً مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لأمره بالسجود ولو بعد ذلك، وقال الحافظ ابن حجر: “وأقوى الأدلة على نفي الوجوب هو حديث عمر المذكور في هذا الباب، وتعقبهُ الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله”، وقد بين أنه أقوى منه وأوضحُ في الدلالة على عدم وجوب سجود التلاوة: وأن قراءة زيد بن ثابت على النبي عليه الصلاة والسلام سورة النجم فلم يسجد فيها ولم يأمرهُ النبي عليه الصلاة والسلام بالسجود، ولو كان واجباً لأمرهُ به.

كم عدد سجدات القرآن الكريم ومواضعها؟

إنّ عدد سجدات القرآن ومواضعها هي خمس عشرة سجدةً، في المواضع الآتية:

الأول: عند قوله تعالى: “ولهُ يَسجُدُونَ”الأعراف:206.
الثاني: في قوله تعالى: “وَظِلالُهُم بالغُدُوّ والآصال”الرعد:15.
الثالث: في قول الله تعالى: “ويَفعَلُون ما يؤمَرون”النحل:50.
الرابع: في قول الله تعالى: “ويَزدهم خشوعاً” الإسراء:109.
الخامس: في قول الله تعالى: “خَرّوا سُجداً وبُكيّاً” مريم :58.
سادساً: في قول الله تعالى: “إنّ الله يفعلُ ما يشاءُ” الحج:18.
السابع: في قول الله تعالى: “وافعَلُوا الخير لعلكم تُفلحون” الحج:77.
الثامن: في قول الله تعالى: “وزادهم نُفُورا” الفرقان:60.
التاسع: في قول الله تعالى: “ربُّ العرش العظيم” النمل:26.
العاشر: في قول الله تعالى: “آلم” السجدة عند قوله تعالى: “وهم لا يستكبرون” السجدة:15.
الحادي عشر: قول الله تعالى: “وخرّ رَاكعاً وأنابَ” ص:24.
الثاني عشر: في قول الله تعالى: “وهُم لا يسأمون” فصلت:38. وهذا قول بعض من جمهور العلماء، وقال الإمام مالك رحمهُ الله وطائفة من السلف بل عند قول الله تعالى: “إنّ كنتم إياهُ تعبدون” فصلت:37.
الثالث عشر: في قول الله تعالى: “فاسجدوا لله واعبُدُوا” النجم:62.
الرابع عشر: في قول الله تعالى: “وإذا قُرِئ عليهم القرآن لا يسجدون” الانشقاق:21.
الخامس عشر: في قول الله تعالى: “واسجُد واقترب” العلق:19. وهناك سجدتا الحج جاء فيهما خبر خالد بن معدان رضي الله عنه قال: فضلت سورة الحج بسجدتين، وجاء في خبر عقبة بن عامر وزاد: “فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما”.
إنّ سجود التلاوة في الصلاة الجهرية ثابت؛ وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنهُ صلّى بأصحابه صلاة العِشاء فقرأ: “إذا السماء انشقت” فسجد فقيل له ما هذه؟ قال: سجدتُ فيها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه السجود.

صفة سجود التلاوة:

فق أنّ من قرأ آية سجدة أو كان يستمع لها، فإنه يُستحبُ له أن يستقبل القبلة ويُكبر ويسجد ثم يقول دعاء، ثم بعد ذلك يرفع من السجود بدون تكبير ولا تشهدٍ ولا سلام؛ وذلك بدليل حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مرّ بالسجدةِ كبّر وسجد وسجدنا معه” رواه أبو داود.
وإذا كانت التلاوة في الصلاة، فإنه يُكبر حين يسجد وحين ينهض من السجود؛ لأن النبي عليع الصلاة والسلام كان يُكبر في الصلاة في كل خفضٍ ورفع. وقد قال عليه الصلاة والسلام “صلّوا كما رأيتموني أصلّي” وإذا قرأ السجدة في الصلاة في آخر السورة، فإنّ شاء ركع، وإن شاء سجد ثم قام فقرأ شيئاً من القرآن ثم ركع، وإن شاء سجد ثم قام فركع من غير قراءة.

الدعاء في سجود التلاوة:

إنّ دعاء سجود التلاوة يُشبه دعاء سجود الصلاة، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل، يقول في السجدة مراراً: “سجدَ وجهي للذي خلقه وصورهُ، وشقّ سمعه وبصره بحولهِ وقوتهِ فتبارك الله أحسنُ الخالقين” رواه أبو داود.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله،إني رأيت البارحة فيما يرى النائم كأني أصلي إلى أصل شجرةٍ، فقرأتُ السجدة فسجدتُ، فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها تقول: “اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبّلها مني كما تقبلتها من عبدك داود”. ويُشرع في سجود التلاوة ما يُشرع في سجود الصلاةِ رواه الترمذي. والصواب أن سجود التلاوة يجوز في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؛ لأنه من ذوات الأسباب. شرح النووي على صحيح مسلم.


شارك المقالة: