ماذا يعني عدم قبول الإيمان والتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها؟

اقرأ في هذا المقال


عدم قبول الإيمان والتوبة بعد طلوع الشمس من مغربها:

عند طلوع الشمس من مغربها؛ في هذه اللحظة لا يقبل الإيمان من الأشخاص الذين لم يكونو قبل ذلك مؤمنين، كما لا تقبل توبة العاصي، وذلك؛ لأن طلوع الشمس من مغربها آية عظيمة، يراها كل من كان في ذلك الزمان، فتنكشف لهم الحقائق، ويشاهدون من الأهوال ما يلوي أعناقهم إلى الإقرار والتصديق بالله وآياته، وحكمهم في ذلك حكم من عاين بأس الله تعالى، كما قال عزّ وجل:”فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَفَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ” غافر:85.
قال القرطبي: قال العلماء: وإنما لا ينفع نفساً إيمانُها عند طلوع الشمس من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كلّ قوةٍ من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانِهم بدّنو القيامة في حال من حضره الموت، في انقطاع الدّاوعي إلى أنواع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال، لم يُقبل توبته، كما لا تقبل توبة من حضره الموت.
وقال ابن كثير: إذا نشأ الكافر إيماناً يومئذ لا يقبل منه، فأما من كان مؤمناً قبل ذلك، فإن كان مصلحاً في عمله، فهو بخير عظيم، وإن كان مخلطاً فأحدث توبةً، حينئذ لم تقبل منه توبةً. وهذا هو الذي جاء به القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، فإن الله تعالى:”يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ“الأنعام:158.
وقال عليه الصلاة والسلام:” لا تنقطع الهجرة ما تُقُبّلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت، طبعَ على كلّ قلب بما فيه وكفي الناس العمل” مسند الإمام أحمد.
وقال عليه الصلاة والسلام:” إن الله عزّ وجل جعل بالمغربِ باباً عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله، وذلك قول الله تبارك وتعالى:””يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ” رواه الترمذي. ويرى بعض العلماء، أن الذين لا يُقبل إيمانُهم هم الكفار الذين عاينوا طلوع الشمس من مغربها، أما إذا امتّد الزمان، ونسي الناس ذلك، فإنه يُقبل إيمان الكفار وتوبة العُصاةِ.
قال القرطبي: قال عليه الصلاة والسلام: إن الله يقبلُ توبة العبد ما لم يغرغر، أي تبلغ روحه رأس حلقهِ، وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة ومقعده من النار، فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله، وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالشاهد له مردودةً ما عاش؛ لأن علمه بالله تعالى وبنبيّه وبوعده قد صار ضرورة، فإن امتّدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان، ولا يتحدّثون عنه إلا قليلاً، فيصير الخبر عنه خاصّاً، وينقطع التواتر عنه، فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب، قُبل منه، والله أعلم.
وأيّد ذلك بما روي: إن الشمس والقمر يكسبان بعد ذلك الضوء والنور، ثم يطلعان على الناس ويُغربان. وبما روي عن عبد الله بن عمرو عن النبي عليه الصلاة والسلام: ويبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومئةِ سنة.
وروي عن عمران بن حصين أنه قال: إنما لم تُقبل وقت الطلوع حتى تكون صيحة، فيهلك فيها كثيرٌ من الناس، فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت ثم هلك، لم تقبل توبتهُ، ومن تاب بعد ذلك، قُبلت توبته؟ والجواب عن هذا كله: أن النصوص دلّت على أن التوبة لا تُقبل بعد طلوع الشمس من مغربها، وأن الكافر لا يُقبل منه الإسلام، ولم تفرّق النصوص بين من شاهد هذه الآية وبين من لم يشاهدها. والذي يؤيد هذا ما رواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها: قالت: إذا خرج أول الآيات، طُرحت الأقلام، وحُبست الحفظةُ، وشهدت الأجسامِ على الأعمال. تفسير الطبراني. والمرادُ بأول الآيات هنا هو طلوع الشمس من مغربها، أما ما كان قبل طلوعها من الآيات، فإن الأحاديث تدلُ على قبول التوبة والإيمان في ذلك الوقت.
وروى الإمام مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” إن الله يبسطُ يدهُ بالليل ليتوبَ مسيء النهار، ويُبسطُ يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمسُ من مغربها” صحيح مسلم.


شارك المقالة: