ماذا يعني قبض العلم وظهور الجهل؟

اقرأ في هذا المقال


قبض العلم وظهور الجهل:

إن من أشراطها قبض العلم وفشوّ الجهل، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويُثبت الجهلُ”. صحيح البخاري.
وروى البخاري عن شقيق، قال: كنتُ مع عبد الله وأبي موسى فقالا: قال النبي عليه الصلاة والسلام،” إن بين يدي الساعة لأياماً يُنزلُ فيها الجهلُ، ويُرفع العلم” صحيح البخاري.
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” يتقارب الزمانُ، ويُقبض العلم، وتظهرُ الفتن، ويُلقى الشحّ، ويكثر الهَرج” صحيح مسلم.
قال ابن بطّال: وجميعُ ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عياناً، فقد نقص العلم، وظهر الجهل، وألقي الشحُّ في القلوب، وعمّت الفتن، وكثر القتل. “فتح الباري”.
وعقّبَ على ذلك الحافظ ابن حجر بقوله: الذي يظهرُ أن الذي شاهدهُ كان منه الكثير، مع وجود مقابلة، والمُراد من الحديث استحكام ذلك، حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر، وإليه الإشارة بالتعبير بقبضِ العلم، فلا يبقى إلا الجهل الصرف، ولا يمنع من ذلك وجودُ طائفةٍ من أهل العلم؛ لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك. “فتح الباري”.
وقبض العلم يكون بقبضِ العلماء، ففي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” إن الله لا يقبضُ العلم انتزاعاً من العباد، ولكن يقبضُ العلم بقبضِ العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالماً؛ اتّخذ الناس رؤوساً جُهّالاً، فسُئلوا؟ فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلوا”. صحيح البخاري.
وقال النووي: هذا الحديث يُبينُ أن المراد بقبضِ العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محُوه من صُدور حفّاضه، ولكن معناه: أن يموت حملتهُ، ويتخذَ الناس جُهّالاً يحكمون بجهالاتِهم، فيضلون ويُضِلّون”. شرح النووي لمسلم.
علم الكتاب والسنة وهو العلم الموروث عن الأنبياء عليهم السلام؛ فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، وبِذهابهم يذهب العلم، وتموت السنن، وتظهرُ البدع، ويعمّ الجهل.
وأما علم الدنيا؛ فإنه زيادة، وليس هو المرادُ في الأحاديث؛ بدليل قوله عليه الصلاة والسلام:” فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا، والضلال إنما يكون عند الجهل بالدين، والعلماء الحقيقون هم الذين يعملون بعلمهم ويوجّهون الأمة، ويدلّونها على طريق الحق والهدى؛ فإن العلم بدون عملٍ لا فائدة فيه، بل يكون وبالاً على صاحبه، وقد جاء في روايةٍ للبخاري: “وينقصُ العمل”. صحيح البخاري.
قال الإمام مؤرخ الإسلام الذهبي بعد ذكره لطائفة من العلماء: وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وأما اليوم؛ فما بقي من العلوم القليلة إلا القليل، في أناس قليل، ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وإذا كان هذا في عصر الذهبي، فما بالك بزماننا هذا؛ فإنه كلما بَعدَ الزمان من عهد النبوة؛قلّ العلم، وكَثر الجهل؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلمُ هذه الامة، ثم التابعين، ثم تابعيهم، وهم خير القرون؛ كما قال عليه الصلاة والسلام:”خيرُ الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”. صحيح مسلم.
ولا يزال العلم ينقص، والجهل يكثر، حتى لا يعرف الناس فرائض الإسلام، فقد روي حُذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” يدرُس الإسلام كما يدرُسُ وشيُ الثوب، حتى لا يُدرى ما صيامٌ، ولا صلاةٌ، ولا نُسكٌ، ولا صدقة؟ ويُسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف الناس: الشيخُ الكبير، والعجوزُ، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة، يقولون: لا إله إلا الله، فنحن نقولها، فقال له صلةُ”وهو أبو العلاء وأسمه صلة بن زفر العبسي الكوفي”؟ ما تُغني عنهم” لا إله إلا الله” وهم لا يدرون ما صلاةٌ ولا صيامٌ ولا نسكٌ ولا صدقةٌ؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردّدها عليه ثلاثاً، كلّ ذلك يُعرض عنه حُذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة! تُنجيهم من النار ثلاثاً” أظهركم؛ يسري عليه ليلاً، فيذهب من أجواف الرجال، فلا يبقى في الأرض منه شيءٌ. سنن ابن ماجه.
قال ابن تيمية: يُسرى به في آخر الزّمان من المصاحف والصّدور، فلا يبقى في الصدور منه كلمة، ولا في المصاحف منه حرف. وأعظم من هذا أن لا يُذكر اسمُ الله تعالى في الأرض، كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى لا يُقال في الأرض: الله، الله” صحيح مسلم.
وقال ابن كثير: في معنى هذا الحديث قولان وهما:

أحدهما: معناه أن أحداً لا يُنكر منكراً، ولا يزجرُ أحداً إذا رآه قد تعاطى منكراً، وعبّر عن ذلك بقوله: حتى لا يُقال: الله، الله، كما تقدم في حديث عبد الله بن عمر: فيبقى فيها عجاجةٌ؛ لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً” مسند احمد.

والثاني:
حتى لا يذكر الله في الأرض، ولا يُعرف اسمه فيها، وذلك عند فساد الزمان، ودمار نوع الإنسان، وكثرة الكفر والفسوق والعصيان.


شارك المقالة: