ما هي الأعمال المستحبة في العشر الأواخر في رمضان؟

اقرأ في هذا المقال


أعمال العشر الأواخر:

إنّ للعشر الأواخر من رمضان عند النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وأصحابه أهمية كبيرة وخاصة، ولهم فيها هدًى خاص بهم، فقد كانوا أشدَّ ما يكونون فيها حريصين على الطاعات، والعبادات والقيام، والذكر. ولنتعرف في هذه المقال على أهمِّ الأعمال التي كان الأولون يحرصون عليها وينبغي علينا الاقتداء بهم في ذلك:

1 ـ إحياء الليل: فقد ثَبَتَ في الصحيحين عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّ النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ كان إذا دخلتِ الْعشر عَزَمَ على إحياءِ اللَّيل، وأيقظَ أهلَهُ، وشدّ مئزرَهُ.
ومعنى إحياء اللَّيل: أي استغراقه بالسهر في الصلاة والذكر وغيرهما. وقد جاء عند النسائي أنّ عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت 🙁لا أعلم رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قرأ القرآن كلَّهُ في ليلة، ولاقام ليلة حتى أصبح، ولا صام شهراً كاملاً قط غير رمضان)“رواه النسائي”.

فعلى هذا يكون إحياء الليل المقصود بهِ أنَّه يقوم أغلب الليل، ويُحتمل أنَّه كان يُحيّ الليل كلَّهُ كما جاء في بعض طرق الحديث.

وقيام اللَّيل في هذا الشهر الكريم، وفي هذه اللَّيالي الفاضلة لاشكَّ أنه عملٌ عظيم، جدير بالحرص والاعتناء بهِ حتى نتعرَّض لرحمات الله جلَّ شأنهُ.

2. إيقاظ الرجل أهلهُ للصَّلاة:

فقد كان من هدية ــ عليهِ الصلاة السلام ــ في هذه العشر أنه يوقظ أهله للصلاة، كما روى البخاري عن عائشة، وهذا حرص منه ــ عليه الصلاة والسلام ــ على أن يُدرك أهلُهُ من فضائل ليالي هذا الشهر الكريم، ولا يقتصر على العمل لنفسهِ ويترك أهلَهُ في نومِهم، كما يفعل بعض الناس، وهذا لاشكَّ أنَّهُ خطأٌ وتقصيرٌ ظاهرٌ.

3.  أنَّ النبي ــ صلَّى الله عليهِ وسلم ــ كان إذا دخل العشر الأواخر، شدّ المئزر؛ أي معنى أنَّهُ كان يعتزل النساء في هذه العشر، وكان ينشغل بالعبادة والطَّاعة، وذلك من أجل أن تصفو نفسُهُ من الأكدار والهموم، والمشتهيات، فتكون أقرب لإراحة القلب إلى معارج القبول، وأزكى للنفسِ من أجل معانقة الأجواء الملائكية.

4. وممَّا ينبغي الحرص الشديد عليهِ في هذه العشر الأواخر: الاعتكاف في المساجد التي تصلي فيها، فقد كان هدي النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ المُستمر هو الاعتكاف في العشر الأواخر، حتى توفَّاهُ الله تعالى. كما في الصحيحين عن عائشة.

و كان يعتكف في هذه العشر التي تطلب فيها ليلة القدر قطعاً لانشغاله، وتفريغاً للياليهِ وتخلياً لمناجاة ربّهِ وذكره ودعائهِ، وكان يحتجز حصيراً يتخلَّى فيهِ عن الناس فلا يخالطهم ولا ينشغل بهم.

وقد روى البخاري أنَّه ــ عليه الصلاة والسلام ــ اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يوما.

قال الإمام الزهري ــ رحمة الله عليه ــ:” عجباً للمسلمين تركوا الاعتكاف مع أن النبي ــ صلّى الله عليه وسلم ــ ما تركهُ منذ قدم المدينة حتى قبضهُ الله عز وجل”.

ومن أسرار الاعتكاف صفاء القلب والروح، إذ أن مدار الأعمال على القلب كما في الحديث ( ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلُحتْ صَلُح الجسد كلَّه، وإذا فَسَدتْ فسد الجسدُ كلُّهُ، ألا وهي “القلب”).
ولما كان الصّيام وقاية للقلب من مُغبَّة الصوارف الشهوانية، ومن فضول الطعام والشراب، والنكاح، فكذلك الاعتكاف ينطوي على سرٍّعظيم: وهو حماية العبد من آثار الصحبة، وفضول الكلام، وفضول النوم، وغير ذلكَ من الصَّوارف التي تفرِّق أمر القلب وتُفسدُ اجتماعهُ عن طاعة الله تعالى .

وممَّا يجدر التنبه إليهِ هُنا أنَّ كثيراً من الناس يعتقد أنَّهُ لا يصح له الاعتكاف، إلَّا إذا اعتكف كلَّ أيام العشر ولياليها، وبعضهم يعتقد أنَّه لا بدَّ من لزوم المسجد طيلة النهار والليل، وإلّا فلا يصحّ اعتكافه، وهذا ليس صواباً، إذ أنَّ الاعتكاف وإن كانت السُّنَّة فيه اعتكاف جميع العشر إلَّا أنّهُ يصح اعتكاف بعض العشر سواءً نهاراً أو ليلاً، وكما يصح أن يعتكف الإنسان جزءاً من الوقت ليلاً أو نهاراً، وإن كان هناك ما يقطع اعتكافه من المشاغل، فإذا ما خرج لأمرٍ مهمٍّ أو لوظيفة مثلاً، فعليهِ أن يستأنف نيَّة الاعتكاف عند عودتهِ، وذلك لأنَّ الاعتكاف في العشر مسنون، أمَّا إذا كان الاعتكاف واجباً كأن نذر الاعتكاف؛ مثلاً فأنَّهُ يبطل بخروجهِ من المسجد لغيرِ حاجة الإنسان الضرورية مثل الغائط.

5. أيضا من أهمِّ الأعمال في هذا الشهر، وفي العشر الأواخر منهُ على وجه الخصوص، هي تلاوة القرآن الكريم بتدبُّر وخشوع، واعتبار معانيهِ وأمرهِ ونهيهِ، فقال الله تعالى:( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)“البقرة185” .
فهذا شهر القرآن، وقد كان النبي ــ صلى الله عليهِ وسلم ــ يدارسهُ جبريل في كلِّ يوم من أيام رمضان، حتى يتمّ ما أنزل عليهِ من القرآن، وفي السنة التي توفي فيها النبيّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ قرأ القرآن على جبريل مرتين.

وقد أرشد النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ إلى فضل القرآن وتلاوتهِ فقال: (اقروا القرآن فان لكم بكلِّ حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)“رواه الترمذي وإسناده صحيح”.
وأخبر النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ أنَّ القرآنيحاجُّ عن صاحبهِ يوم العرض الأكبر فقال: (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمهُ سورة البقرة وآل عمران تحاجَّان عن صاحبهما) “رواه مسلم”.

ولقد كان السلف أشد حرصاً على تلاوة القرآن وخاصَّة في شهر رمضان، فقد كان الأسود بن يزيد يختم المصحف في ست ليالي، فإذا دخل رمضان ختمهُ في ثلاث ليال، فإذا دخلت العشر ختمهُ في كلِّ ليلة، وكان الشافعي ــ رحمه اللهُ ــ يختمهُ في العشر في كلِّ ليلة بين المغرب والعشاء، وكذا روي عن أبي حنيفة ــ رحمه الله ــ.

وقد أفاد الحافظ بن رجب ــ رحمهُ الله ــ أنَّ النهي عن قراءة القرآن في أقلِّ من ثلاث، إنما هو على الوجه المُعتاد، وأمَّا في الأماكن الفاضلة في مكة لمن دخلها، أو في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان، والعشر منهُ فلا يُكرهُ، وعليهِ عمل السلف.



شارك المقالة: