الحجّ فرضٌ فرضه الله سبحانه وتعالى على عباده، وهو ركن من أركان دين الإسلام العظيم، قال تعالى:“وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ“”آل عمران: 97”.
وقال عز وجل:“وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ“(البقرة:157). وقال سبحانه: “وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ“(الحج: 27).
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ“.
فضائل الحج:
إنّ الحجّ ركنٌ من أركان الإسلام، وعبادةٌ جليلة، لها خصائصها وفضائلها وسنتعرف في هذا المقال على فضائل الحجّ وهي كالآتي:
- إنّ الحجّ أفضل الأعمال: فعَن أَبِي هرَيرة رضي الله عنه أَنَّ رسول الله صلَّى الله عَلَيه وَسلَّم سئِل:”أَيُ الْعمَلِ أَفضَل؟ فَقَالَ: إيمَانٌ باللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيل: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حجٌّ مَبرور” متفق عليه.
- أنه يمحو الذنوب ويكفّر السيئات، ويرفع المراتب والدرجات، فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
“سَمِعْتُ النبي صلَّى اللَّه عَلَيهِ وسَلَّم يَقول: مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَم يَرْفث وَلَمْ يَفْسُق رَجَعَ كَيَومِ وَلَدَته أُمُّهُ“متفق عليه.
“مَنْ حَجَّ فَلَم يَرْفُث وَلَم يَفْسق غفِر لَه مَا تَقَدَّم مِنْ ذنبهِ”رواه الترمذي. - من فضائل الحج أنه يمحو الفقر وينفيه، ويزيد في البركة ، كما عند أحمد والترمذي عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلم: “تَابعوا بين الحجِ والعمرَة، فَإِنَّهما يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُنوب كَما يَنفِي الْكِير خبث الحدِيدِ وَالذَّهَب وَالْفضَّة وَلَيس لِلْحَجَة الْمَبرورَة ثَوَاب إِلَّا الجَنة“.
والحجّ يرفعُ المراتب والدرجات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ما ترفع إبل الحاج رجلاً ولا تضع يداً إلا كتب الله له بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفع بها درجة“. رواه البيهقي وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني. - أنه إذا كان مبروراً فليس له ثواب وجزاء إلا الجنة. وعَن جابِرٍ رضي الله عن قَالَ: قَال رَسول اللَّه صلى الله عَلَيْهِ وسلم: “الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ”. قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! مَا الْحَجُّ الْمَبْرُورُ؟ قَالَ: “إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَطِيبُ الْكَلَامِ”. رواه الطبراني في الأوسط، وابن خزيمة، والحاكم، وهو صحيح لغيره.
- أنه يهدم ما كان قبله، فعَن ابنِ شِمَاسَة رحمه الله قال: “حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وقال: فلَما جعل اللَّهُ الإسلام فِي قلبِي أَتَيْت النَّبِي صلى اللَّه علَيهِ وسلم فَقلت ابْسط يمِينَك فَلا بَايِعكَ! فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ:ما لَكَ يا عَمرو؟ قَالَ: قلت: أَرَدت أَن أَشتَرِطَ. قَال: تَشتَرِط بِمَاذَ؟ قلْت: أَن يُغْفَرَ لِي، قَالَ: أَمَا عَلِمت أَن الْإِسلَامَ يَهْدِم مَا كَانَ قَبْلَه، وَأَن الْهِجرَةَ تَهْدِم مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِم مَا كَانَ قَبْلَهُ؟”. رواه ابن خزيمة في صحيحه هكذا مختصرا ورواه مسلم وغيره أطول منه.
- فالحجّ هو جهادُ الصغير والكبير، والمرأة والضعيف، ومن لا يقوى على الجهاد، بل هو أفضل الجهاد للمرأة.
فعند البخاري وغيره عن عَائِشَةَ أُمِّ المؤمِنِين رضِي الله عنهَا أَنَهَا قالَت:” يَا رسول اللَّهِ، نَرى الجِهَاد أَفضل العمَلِ، أَفَلَا نُجاهِد؟ قال:لَا، لَكن أَفضل الجِهادِ حجٌ مَبرُور”.
قال الحافظ رحمه الله: “اختلف فِي ضبط “لَكُنَّ” فَالأَكثَر بضَمِ الْكَاف خطَاب لِلنِّسوَةِ، وروي:”لَكِن” بكَسرِ الكاف، وزِيَادة أَلف قبلهَا بِلَفظ الِاستِدراك، وَالأول أَكثَر فَائِدَة لِأَنَّه يشتمِل علَى إِثبَات فضل الحجّ، وعلَى جواب سؤَالها عن الْجِهاد، وسماه جِهادًا لِما فِيه من مجَاهدَة النَفس”. ورواه ابن خزيمة أيضا، ولفظه: قلت: يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ قال: “عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة”.
إن الحجّاج والمعتمرين وفدُ الله العزيز الغفار. أخرج النسائي والحاكم وغيرهما عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلَّى اللَّهُ علَيه وَسلَّمَ: “وفد اللَّهِ ثَلاثة: الغَازِي والحاجُّ وَالمعتمِر”.
وعند ابن ماجه وابن حبان من حديث ابْنِ عمر رضي الله عنهما: “الغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ والحاج والمعتمِر وَفدُ الله دعاهم فَأجابوه وسألُوه فَأَعطَاهم”. وصححه الألباني. ورواه البزار عن جابر رضي الله عنه، وهو حسن لغيره. - إن من خرج حاجّاً أو معتمراً فمات، كُتب له أجر الحاجّ والمعتمر إلى يوم القيامة، فعن أبي يعلي بسند صحيح لغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة”.
وفي الصحيحين عَن ابنِ عباس رضي الله عنهما قال: بينما رجل واقفٌ بعرَفةَ إِذ وَقع عن راحِلَته فَوقصَته ناقته فمات فقال النَّبِي صلَّى الله عليه وسلم: “إغسلوه بماءٍ وَسِدرٍ، وكَفِنوه فِي ثوبَينِ، ولا تحنطوه ولَا تخَمِّروا رأسه، فإنه يبعَث يوم القِيَامة ملَبيًا”. “والسدر: شجر النبق، يجفف ورقه ويستعمل في التنظيف”.
فهنيئاً لمن يموت في إحرامه، ويُبعث يوم القيامة ملبيّاً، والناس يبعثون من قبورهم في فزع وقلق، وخوف وفرق، والأهوال جسيمة، والكروب عظيمة، فبينما الحال هكذا يأتي صوت لطالما اهتزّت له قلوب، واشتاقت له أنفس، وتهافتت عليه أرواح، وطربت له آذان، ورددته ألسن، ودمعت له عيون، يبعث ملبيا يردد نشيج الحجيج يقول:
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك“.