ما هي مقاصد الحج وحكمة مشروعيته؟

اقرأ في هذا المقال


فضل الحج ومكانته:

إن حجَّ بيتُ الله تعالى هو أحد أركان الإسلام؛ لقوله عز وجل: “وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ”،(آل عمران:٩٧). ولقوله صلى الله عليه وسلم:
“بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، و إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان”.


ولأنَّ الأمة قد أجمعت على كونه فرضاً.

مقاصد الحج وغاياته:

هناك حكم عظيمة، وفوائد جليلة في تشريع الحج، وهذه الحكم والفوائد منصوص على بعضها
في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي ملموسة- غالباً- عند أداء هذه العبادة.
ومن أهمِّ مقاصد الحجّ وغاياته هي مايلي:

  • تحقيق التوحيد:
    وذلك في تعظيم الله تعالى بالعبادة التي هي جميع شعائر الحج، كالتلبية، والطواف، والسَّعي، والنَّحر، والحلق، ورمي الجمار، ونحوها من أنواع العبادات التي لا يجوز صرف شيء منها لغير الله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء”(البينة:٥). وقال سبحانه وتعالى: “وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ”(البقرة:١٩٦).
  • إقامة ذكر الله تعالى:
    هذا مدار الحج وغيرِه من العبادات، بل هو محور الدين الحنيف، وهو أعظم المقاصد: فقد أمر الله به عباده عند أهم المناسك؛ فقال عز وجل: “فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ”( البقرة: ١٩٨).
    وأمرهم به في أثنائها؛ فقال  سبحانه: “وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى”(البقرة: ٢٠٣) وأمرهم به عند الفراغ منها؛ فقال تعالى: “فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً”( البقرة:٢٠٠.
    بل ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّما جعل الطواف بالكعبة وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله عز وجل”.
  • تحصيل التقوى:
    وهي الامتثال مطلقاً، وذلك بفعل الأوامر واجتناب النواهي، فالحج مظهر من مظاهر التقوى؛ لما فيه من فعل طاعات متنوعة قد تشق على النفس، وما فيه من اجتناب كثير ممَّا تعود عليه المرؤ في حياته اليومية من المباحات، فضلاً عن المكروهات والمحرَّمات، قال تعالى: “لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ” (الحج:٣٧).
  • اكتساب مكارم الأخلاق:
    إنَّ في الحج تعويداً للنفس على الصبر، والحلم، والسخاء، والعفَّة، والتواضع، والتسامح، قال تعالى:” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى”(البقرة:١٩٧)؛ فهو موسم خير يهيئ للمسلم فرصةَ الاستزادة من مكارم الأخلاق.
  • الشعور بالانتماء:
    يشعر المسلم في الحجِّ بانتمائه إلى أمَّةٍ عظيمة، تقطن شتَّى بقاع الأرض، وتتألَّف من مختلف الشعوب، قال تعالى:“وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”(الحج:٢٧)، هذا التجمُّع لا شكَّ في أنَّه يذكي جذوة الشعور بالانتماء.
  • تبادل المنافع:
    وتشمل المنافع الدينية والدنيوية، كما قال تعالى: “لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ”(الحج:٢٨)، ومنها تلك السوق العالمية التي تقام أثناء الموسم، والتعارف بين المسلمين، وسائر المصالح الدينية.

ما الحكمة التشريعية من الحج:

قال الإمام الغزّالي رحمه الله تعالى عن روح الحج الأصيلة وغايته النبيلة بقوله البليغ: “ووضعه على مثال حضرة الملوك يقصده الزوّار من كلّ فجٍّ عميق، ومن كلّ أوب سحيق شعثا غبراً متواضعين لربّ البيت، ومستكينين له خضوعاً لجلاله واستكانة لعزَّته مع الاعتراف بتنزيهه عن أن يحويه بيت أو يكتنفه بلد ليكون ذلك أبلغ في رقّهم وعبوديتهم، وأتمّ في إذعانهم وانقيادهم، ولذلك وظّف عليهم فيها أعمالاً لا تأنس بها النفوس،
ولا تهتدي إلى معانيها العقول كرمي الجمار بالأحجار، والتردّد بين الصفا والمروة على سبيل التكرار، وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرقّ والعبودية.

فإنّ الزكاة إرفاقٌ، ووجهه مفهوم، وللعقل إليه ميل، والصَّوم كسر للشهوة التي هي آلة عدوّ الله وتفرّغ للعبادة بالكفّ عن الشواغل، والركوع والسجود في الصلاة تواضع لله عزَّ وجل بأفعالٍ هي هيئة التواضع، وللنفوس أنسٌ بتعظيم الله عزّ وجل فأمَّا تردّدات السعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال فلا حظّ للنفوس ولا أنسَ فيها ولا اهتداء للعقل إلى معانيها فلا يكون في الإقدام عليها باعثٌ إلا الأمر المجرَّد.

وقصد الامتثال للأمر من حيث إنّه أمرٌ واجب الاتباع فقط، وفيه عزلٌ للعقل عن تصرّفه، وصرف النفس والطبع عن محلّ أنسه فإنَّ كلَّ ما أدرك العقل معناه مال الطبع إليه ميلاً ما فيكون ذلك الميلُ معيناً للأمر، وباعثاً معه على الفعلِ فلا يكادُ يظهر به كمال الرقّ والانقياد، ولذلك قال صلّى الله عليه وسلم في الحج على الخصوص
لبّيك بحجه حقاً تعبّداً ورقاً، ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها.

وإذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى أطباعهم وأن يكون زمامها بيد الشرع فيتردّدون في أعمالهم على سنن الانقياد وعلى مقتضى الاستعباد كان ما لا يهتدي إلى معانيه أبلغ أنواع التعبّدات في تزكية النفوس، وصرفها عن مقتضى الطباع والأخلاق مقتضى الاسترقاق.
وإذا تفطّنت لهذا فهمت أن تعجب النفوس من هذه الأفعال العجيبة مصدره الذهول عن أسرار التعبّدات
وهذا القدر كافٍ في تفهّم أصل الحج إن شاء الله تعالى،” إحياء علوم الدين، الإمام أبو حامد الغزالي.


شارك المقالة: