للطَّواف في بيت اللهِ تعالى حكمتانِ: حكمة خاصَّة، وحكمة عامَّة.
الحكمة العامة للطواف: فهذهِ الحكمة لكلِّ أمرٍ أو نهيٍ، وهي طاعة الله فيما أمر بهِ سبحانهُ سواء في كتابهِ أو على لسان رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أو بفعلهِ لوجوب الاقتداء بهِ، ومنها الطواف بالبيت الحرام، فيكون الإتيان بها طاعة لله يُثاب عليها العبد.
الحكمة الخاصَّة للطواف: أمَّا الحكمة الخاصَّة للطواف بالبيت، أنه إقامةٌ لذكر الله تعالى، وهذه الحكمة قد نصَّ عليها كتاب الله والسّنة المُطهَّرة.
عن عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله ــ صلّى الله عليه وسلم ــ:” إنَّما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله”
فعلم من هذا الحديث أنَّ حكمة الطواف هي من أجل إقامة ذكر الله تبارك وتعالى، وأنه طاعةٌ وقربةٌ لله تعالى، فقال الله تعالى في محكم كتابه:” وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ”. الحج:26.
إنّ هذا البيت الذي شُرع الطواف حولهُ إليه سبحانه وتعالى، وتقتضي وتستلزم علوّ مكانتهِ ومنزلتهِ عند الله تعالى، بل إنَّ الله لمَّا فرض الحجّ على عبادهِ أضافه إلى هذا البيت المطَّهر.
وقد أجمع العلماء على عدم صحة من حجّ ولم يطف بهذا البيت، فالطَّواف هو الركن الأعظم الذي لا يسقط بحال من عجز عنهُ.
ولقد أمر الله سبحانه بالطواف حوله بقوله تعالى:”ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ”الحج:29.
كما أنَّ في الطواف حوله كان تأسِّياً برسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ الذي طاف حوله.
فقال تعالى:” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً”الأحزاب:21.
فبيت الله والطواف حولهُ هو أعظم مكان للتَّضرُّع والدعاء، ففيهِ يلتجئ الطَّائفُ إلى حمى الله تعالى، ويقرع باب إحسانه يلتمس العفو عن السيئات، ويسألهُ الفوز بالجنات فهو مكان تسكب فيه العَبرات، وتُقال فيه العثرات، وتتنزَّل فيهِ الرحمة على العباد من الرَّب الكريم.
فضل الطواف في الحج:
هناك أدلَّة كثيرةّ في كتاب الله تعالى، وفي السنة تظهر لنا فضل الطواف حول الكعبة المشرفة، ومن أهمها.
قال تعالى:“وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ”،الحج:26،. وقال عزوجل:“وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ”،الحج: 29،.
وقال تعالى:“إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ”،آل عمران:96.
وروى عبد الرزاق أيضاً في قصة الرجلين اللَّذين أتيا إلى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ أحدهما من ثقيف والآخر من الأنصار فخيرهما الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ أن يسألا أو يخبرهما بما جاءا يسألان عنه، فاختارا أن يخبرهما الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ عن ذلك، فقال الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ للأنصاري جئت تسأل عن خروجِك من بيتك تؤم البيت الحرام فتقول: ماذا لي فيه؟ إلى أن قال ــ صلى الله عليه وسلم ــ: “وأمّا حلقك رأسك فإنَّ لك بكلِّ شعرة حسنة فإذا طُفت بالبيت خَرجتَ من ذنوبك كيوم ولدتك أمّك”.