ما حكم التبني في الإسلام؟

اقرأ في هذا المقال


حكم التبني في الإسلام:

التبني:وهو مصدر من تبنى يتبنى تبنياً، وتبنى الجسم أي اكتنز وامتلأ، ويعود أصلهُ إلى بنى، وهو بناءُ الشيء بضمِ بعضهِ إلى بعض، ومنهُ ضم الولد إلى الرجل. أمّا التبني يأتي في الشرع على أنّه هو إلحاق الشخص ولدٌ غيره بنسبهِ واتخاذهُ ولداً له.

والتبني حرامٌ في الشرع الإسلامي من غير شكٍ، وقد حرّمهُ الإسلام، وهو أن ينسب الإنسان إلى نفسهِ من ليس ولداً له، ولا هو من صُلبهِ، ولم تلدهُ زوجتهُ على فراش الزوجيّة، فينسبهُ إلى نفسهِ، ويُعطيه اسمهُ ولقبه، ويُصبحُ أحد أفراد عائلته. فالتبني لا يُغير الحقيقة أبداً، ولا يلحقُ المتبني بمن تبناهُ، وسيظلُ لهذا نسبهُ، ولذاك نسبه، والتبني يأتي بمعنى رعايةِ الطفلِ من غير إعطائهِ اللقب والإثم فهو جائزٌ ومشروع.

لقد كان التبني معروفاً عند العرب في الجاهلية، وكان معروفاً أيضاً عند الرومان، وعند الكثير من الأمم السابقة، وكان من حق الإنسان أن يتبنى من يشاء ويُدخلُ إلى أسرته ما يريد، ولكن حينما أتى الإسلام فقد أرجع الأمور إلى نصابها وبينها  وأعلنها في الشريعة الإسلامية، فقال تعالى: “مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ – ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا” الأحزاب:4-5. ولا يصحُ للناس أن يُغيروا الحقائق، فالولد الذي يقول عنه ابنه هو في الواقع ليس كذلك؛ لأنّه ليس من صلبه وليس من فراش الزوجية.

لم يجعل الله تعالى “الدّعي” ابناً، أي لا شرعاً ولا قدراً. لقوله: “ذلكم قولكم بأفواهكم” أي هذا هو مجرد كلامٍ باللسان، لا يُمكن أن يُغيرهُ الواقع أو تُنشئ حقيقتهُ، فلن يجري يوماً من الأيام دمّ الشخص في عروق ولد التبني، وأنّه لن يرث شيئاً من خصائصهِ أو صفاتهِ العقلية أو الجسدية أو الجينية أو حتى النفسية بمجرد تلفظه بأنّ هذا ابنه؛ لأنّ هذا تزويرٌ في الواقع والحقيقة، وأنّ القرآن الكريم رفضها وقال: “ادعُوهم لآبائهم هُو أقسطُ عِند الله فإن لم تَعلَموا آباءَهم فإخوانكم في الدين ومواليكم”.

لقد كانوا يُلحقون بأنفسهم أحياناً من هو معروف النّسب، فضلاً عمّن هو مجهول النسب، فعلى سبيل المثال، زيد بن حارثة، كان له أهل معروفون، ومع ذلك الأمر بقي اسمه “زيد بن محمد” حينما آثر المقام مع النبي عليه الصلاة والسلام على العودة مع عائلتهِ وعشيرته.

فقد أبطل الإسلام هذا الفعل وأبطلهُ بالقول وأبطله أيضاً في كتابه الكريم في سورة الأحزاب. فالمقصود في قوله تعالى من المحرمات من النساء: “وَحَلائِلَ أبنَائِكُم الذينَ من أصلابِكُم” النساء:23. فمفهومها أنّ الحلائل الأبناءِ المُدّعينَ أو المتبنين ليس ممّن حرم اللهُ زواجهنّ. وأبطلَ الله تعالى أيضاً بالفعلِ تأكيداً للقول، وذلك حين كلّف الله تعالى ورسولهُ أنّ يتزوج مُطلقة زيد وهي “زينب بنتُ جحش” وكان ذلك الأمرِ شديداً على الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: “وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ” الأحزاب:37.

وإنّ مثل هذا الأمر فقد اهتموا فيه اهتماماً كبيراً عند المجتمع المدني، حتى ليُخيّل إلى بعض الناس أنّ سورة الأحزاب كلها نزلت من أجل هذا الأمر، فمن أولها قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا – واتَّبِعْ ما يُوحَى إليك مِنْ ربك إنَّ اللهَ كان بما تَعلمون خبيرًا – وتَوكَّلْ على اللهِ وكفى باللهِ وكيلاً” الأحزاب:1-3. فدلالة هذه الآيات أنّها تُقوي قلب النبي عليه الصلاة والسلام وتشدّ أزرهُ وتساندهُ في مواجهة ضغط المجتمع الإسلامي. أمّا بعد ذلك فقال تعالى: “الذين يُبلِّغُونَ رسالاتِ اللهِ ويَخشونَهُ ولا يَخشونَ أحدًا إلا اللهَ وكَفَى باللهِ حسيبًا – ما كان محمدٌ أبَا أحدٍ مِنْ رجالِكم” الأحزاب:39-40.

فكان الأمرُ شديداً ومتعبٌ وشاق على الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ولكنّ الله كلّف النبي عليه الصلاة والسلام أن يقوم بهذا الأمر المُتعب من أجل أنّ يُبطل  موضوع التبني، ودلّ على ذلك في القرآن الكريم حينما قال: “فلما قَضى زيدٌ منها وَطَرًا زَوَّجناكَها لكي لا يَكونَ على المؤمنينَ حَرَجٌ في أزواجِ أدعيائهم إذا قَضَوا مِنهنَّ وَطرًا وكان أَمْرُ اللهِ مفعولاً” الأحزاب:37.

الآثار المترتبة على التبني:

إنّ للتبني أمورٌ سلبية لا تنقلبُ على المتبني وعلى ذوي المتبني ولكن تنعكس على المجتمع بأكمله ولعل من أبرز هذه الآثار السلبية هي ما يلي:

1- إنّ التبني يعمل على اختلاطٍ للأنسابِ وفقدانها، وما اختلطت الأنساب في قومٍ وانتشرت فيهم الرزيلة والفاحشة.

2- الحقد والكرهُ والضغينة وقطعُ الرحم بسبب حجب الورثة من التركة حجبَ حِرمانٍ أو نقصان.

3- تجريدُ الطفل من نسبهِ الأصلي في قول الله تعالى: “ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ”.

4- تحريمُ الحلال وتحليلُ الحرام، فالتبني يمنعُ الزواج ممّن تحلُ له ويحلُ الخُلوة بمن تُحرم عليه، وفي ذلك تلاعبٌ بالشرع، يُصبح فاعلهُ مرتكباً للكبيرة.


شارك المقالة: