ما حكم القزع في الإسلام

اقرأ في هذا المقال


حكم القزع في الإسلام

القزع في اللغة: وهو ما يسمّى بحلاقة شعر الرأس، وترك بعضٌ من الشعر متفرق في الرأس، فيُقال شخصٌ مقزع أي أنّه لا يُشاهد على رأسه سوى بضعُ شُعيرات، وفرسٌ مُقزع: أي رقت ناصيته. وفي حديث علي رضي الله عنه في الاستسقاء، “لا قزع ربابها، ولا شفان ذهابها”. الذهاب يعني: هي الأمطار اللينة.

أمّا القزع في الاصطلاح الشرعي: لا شكّ بأن يخرجُ معنى القزع الاصطلاحي عن معناهُ اللغوي، فقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أنّ القزع هو: حلقُ بعض شعر الرأس وتركِ بعضه الآخر، أو أن يحلق المرء بعضُ مواقع متفرقة من الرأس، وقد قيل أيضاً عن القزع: هو أن يحلقُ البعض من شعر رأسه وأنّ يترك البعض قطعاً مقدارُ ثلاثة أصابع.

ولقد قال المالكية عن تعريف القزع حيثُ عرفوه في كتاب البيان والتحصيل بأنّهُ هو حلقُ بعض الرأس دون بعض. وجاء في كتاب الذخيرة للقرافي بأنّهُ، أن يخلق البعض ويتركه البعض تشبهاً بقزع السحاب، وجاء في كتاب القوانين الفقهية تعريف القزع هو: أن يحلق البعض ويترك البعض.

أمّا أصحاب المذهب الحنبلي من الفقهاء فقد قالوا عن القزع في بعض الكتب، حيث جاء في كتاب المغني في فصل حلق الرأس، وهو ما يسمّى بالقزع، وجاء في كتاب الشرح الكبير على متن الإقناع، ويُكره القزع وهو حلق بعض الرأس.

أدلة النهي عن القزع وبيان أنواعه

لقد ورد عددٌ كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تنهي عن القزع، ومن هذه الأحاديث:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْهَى عَنِ القَزَعِ قالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: قُلتُ: وما القَزَعُ؟ فأشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قالَ: إذَا حَلَقَ الصَّبِيَّ، وتَرَكَ هَا هُنَا شَعَرَةً وهَا هُنَا وهَا هُنَا، فأشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ إلى نَاصِيَتِهِ وجَانِبَيْ رَأْسِهِ. قيلَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ: فَالْجَارِيَةُ والغُلَامُ؟ قالَ: لا أدْرِي، هَكَذَا قالَ: الصَّبِيُّ. قالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وعَاوَدْتُهُ، فَقالَ: أمَّا القُصَّةُ والقَفَا لِلْغُلَامِ فلا بَأْسَ بهِمَا، ولَكِنَّ القَزَعَ أنْ يُتْرَكَ بنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ، وليسَ في رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وكَذلكَ شَقُّ رَأْسِهِ هذا وهذا” صحيح البخاري.

عن ابن عمر رضي الله عنه، “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع”، وعن ابن عمر، عن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن القزع” قال: قلتُ لنافع وما القزع قال: “يخلق بعض رأس الصبي ويترك بعض”.

عن ابن عمر أيضاً رضي الله عنه: “أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن القزع في الرأس، وعن ابن عمرة، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كَرِه القزع للصبيان”.

وعن عبد الله بن جعفر، أن النبي عليه الصلاة والسلام: أمهلَ آل جعفرٍ ثلاثا، ثم أتاهمْ فقال: لا تبكُوا على أخِي بعدَ اليومِ . ثم قال: ادْعُوا لي بَنِي أخي فجيء بنا كأننا أفراخٌ، فقال: ادعُوا لِيَ الحلاقَ، فأمرهُ فحلقَ رؤوسَنا” رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.

وعن علي رضي الله عنه أنه قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها”.

إنّ كلّ الأحاديث الكريمة التي ذكرناها تتكلمُ عن القزعِ وكيفية نهي الله تعالى عنه للرجال، فيتوجبُ عليه حلق شعره بأكملهِ، وفي هذا الأمر إيضاحاً له، ولكن لا يحقُ له أن يحلق بعضاً منه ويدعَ البعض الآخر، أمّا من ناحية المرأة فلا يجب عليها حلق شعرها؛ لأنّها جمال وزينة، ويجوز لها أن تأخذ جزء منه إن طال ولا بأس في ذلك.

ولقد ورد بأنّ زوجات النبي عليه عليه الصلاة والسلام قصصن شعرهن بعد وفاته، فقد روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي عليه الصلاة والسلام من الجنابة، فدعت بإناء قدر الصاع فاغتسلت وبيننا وبينها ستر وأفرغت على رأسها ثلاثاً، قال: وكان أزواج النبي عليه الصلاة والسلام يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوفرة، ففعلهن هذا يفهم منه شيئان .

الأول: كان شعرهنّ رضي الله عنهن معفي ولم يكن مقصوصاً في حياة النبي عليه الصلاة والسلام.

الثاني: إنّ الشعر بالنسبة للمرأة هو شيءٌ مهم في الزينة التي التي تحفظهُ للزوج وإعفاؤه أيضاً من الزينة التي تتصنع بها المرأة لزوجها، فإن مات ولم ترجُ نكاحاً ففي تلك الحالة لا بأس بأنّ تقصهُ، إذ هي قد استغنت عن الزينة. ولعل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فعلن ذلك بعد وفاته تركنُ منهن للزينة، واستغنائهن عن الشعر الطويل وتخفيفاً لمؤونة رؤوسهنّ.

حكم القزع في الشرع وحكمة النهي عنه

 حكم القزع في الشرع: لقد اختلف الفقهاء المسلمين على حكم القزع من رأيين وهما: الأول: كراهية القزع، وتحريم القزع. فكراهية القزع: إن فقهاء المذاهب الأربعة أجمعوا على أن القزع مكروه إذا كان في مواضع متفرقة، إلّا أنّ يكون للعلاج وما شابه ذلك، وهي كراهةُ تنزيهٍ، ولقد ذكروا ذلك في عدد من كتبهم.

أمّا تحريم القزع: فقد وردَ أن الفقهاء كَرهوا القزع، ولكن هذا الأمر إذا فعله الشخص فإنه فعلهُ على وجه التشبهِ بالكفار أو الفُساق، ففي هذه الحالة يُصبحُ مُحرماً وليس مكروهاً.

فالتشبيهُ بالكفار مُحرماً في الشرع الإسلامي، لقوله عليه الصلاة والسلام: “من تشبه بقومٍ فهو منهم” فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “من تَشبه بقومٍ فهو منهم”، أي تزيد في ظاهرة بزيّهم، وسار بسيرتهم وهديهم في ملبسهم وبعض أفعالهم، فهو منهم في الإثم والخير.

إنّ الأحاديث التي سبقت فإنّها تدلُ على حُرمة تشبيههم بالكفار، وذلك من ناحية لبسهم وتصرفاتهم وغير ذلك، فالقزعُ هو من أفعال الكفار، وحُرم في هذا العصر؛ وذلك لأن فيه جمعاً بين المكروه والمُحرم، فالمكروه هو القزع المحرم وهو التشبه بأفعال الكفار. وقد جاء التشريع الإسلامي بتحريم تشبه المسلمين بالكفار في عباداتهم، وأعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم ومن الأدلة على ذلك متعددة وذكرت في القرآن والسنة ومن أهمها:

–  القرآن: فقال تعالى: ” أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ” الحديد:16. وجاء في تفسير ابن كثير حول قول الله تعالى: “وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ” فهنا دلالة على نهي الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب قبلهم من اليهود والنصارى بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية.

– السنة: وهن أبي هريرة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَأْخُذَ أُمَّتي بأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَها، شِبْرًا بشِبْرٍ وذِراعًا بذِراعٍ، فقِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، كَفارِسَ والرُّومِ؟ فقالَ: ومَنِ النَّاسُ إلَّا أُولَئِكَ”. ففي قوله عليه الصلاة والسلام حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، بمعنى حتى تسير أمتي بسيرِ القرون قبلها، وتعني الروم والفرس.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: “لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قالَ: فَمَنْ” رواه البخاري. وفي قولٍ آخر سنن من قبلكم، أي طريق الذين كانوا قبلكم، والسنن بفتح السين، وهو السبيل والمنهاج، أي طريق من الأمم السابقة.

فالدلالة التي وجدت في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة هي منع التشبه بالمشركين، وهذا المنع يقتضي التحريم، ويدخل في ذلك حرمة القزع؛ وذلك لأنّ فيه تشبه بأفعال أهل الكتاب.

حكمة النهي عن القزع

لقد اختلف بعض فقهاء المسلمين على حكمة كراهية القزع، فقال بعضهم بأنّهُ تلاعبٌ في خلق الله تعالى، وقيل لأنّه أذى الشرّ والشطارة. وقال البعض: لأنّه زي اليهود. وقال ابن القيم: قال شيخنا، وهذا من كمال محبة الله تعالى ورسوله للعدل، فإنّهُ أمرَ به حتى في شأن الإنسان مع نفسه، فنهاهُ أن يحلق بعض رأسه ويترك يعضه؛ وذلك لأنّه ظلمٌ للرأس حيث ترك بعضه كاسياً وبعضهُ عارياً، ونظير هذا أنه  نهى عن الجلوس بين الشمس والظل، فإنّهُ ظلم لجزءٍ من بدنه، وأن نظيرهُ نهى أن يمشي الرجل في نعلٍ واحدة، بل إمّا أن ينعلهما أو  يُخفيهما.

 عدة أسباب لحكمة النهي عن القزع وهي

إذا كان فيه تشبهٌ بخصائص أهل الكفر، مثل حلق وسط الرأس، وترك جوانبه، كما يفعل رهبان النصارى، أو إذا قصد من فعله تقليدهُ لهم.

إذا كان فيه تشويه للخِلقة؛ وذلك لأنّ النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الممثلة، وهي تشويهٍ للخلقة.

وإن كان فيه تشبهٌ بالنساءِ، فقد لعن النبي عليه الصلاة والسلام فاعلهُ في الحديث الصحيح حيث قال: “لعنّ الله المُتشبهين من الرِجال بالنساء، والمُتشبهاتِ من النساءِ بالرجال” رواه أبو داود. ففي هذا الحديث دليلٌ واضحٌ على أنّه يُحرم على الرجال التشبه بالنساءِ، وعلى النساء التشبه بالرجال في الكلام واللباس والمشي وما شابه ذلك، والمُترجلات من النساء، والمتشبهاتِ بالرجال لا بل وفي جميع الأحوال.


شارك المقالة: