النهي عن الخليطين:
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ كثيرة النهي عن الخليطين، منها حديث جابر رضي الله عنه ” أن النبي صلى الله عليه وسلم نَهي أن يخلط الزبيب والتمِر والبسر والتمر ” متفق عليه. وهذا ممّا نهي سداً لذريعة الوصول إلى الخمر، وفي بيان ذلك يقول ابن القيم وبالغ في سد الذريعة فنهى عن الخليطين.
وإن النهي عن الشرب لخليطينِ: هو سدّاً لذريعةِ الوصول إلى المُسكِر، ممّا اتفقت عليه كلمة العلماء؛ لأن الأنواع
إذا اختلفت في الانتباذ، كانت أسرع إلى المُسكِر المحرّم. فنهى صلى الله عليه وسلم عن الخلط حتى لا يكون وسيلة
إلى المسكر.
اختلاِف العلماء: قد أختلف العلماء في أقوالهم في الحكم الخليطين بين النهي والإباحة، فما هي أصح الأقوال في هذه المسألة حتى نعرف، هل يتم لابن القيم رحمه الله التدليل بالنهي عنهما على سد الذرائع الموصلة إلى المسكر؟ فإلى بيان الخلاف وأدلته:
1. تحريم الخليطين:
وهو قول جماعةً منهم مالك، وأحمد، إسحاق، وظاهر مذهب الشافعي فقالوا: من شربه قبل حدوث الشدة فيه فهو آثم من جهة واحدة، وهي شربة الخليطين ومن شربه بعد حدوثها فهو آثم من جهتين وهما: شرب الخليطين، وشرب المسكر.
والدليل على هذا القول هي أحاديث النهي عن الخليطين الواردة في الكتب السنة ومن غيرها حديث جابر رضي الله عنه وأبي سعيد رضي الله عنه وأبي قتادة رضي الله عنه وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وهي بألفاظ متقاربة وجميعها يتضمن النهي عن الخليطين. عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم” نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعاً، ونهى أن ينتبذ الرطب، والبسر جميعاً “.رواه الجماعة.
2. الكراهة:
وهو مذهب الشافعي وحكى عن مالك وذكر النووي الشافعي: أن هذا قول الجمهور فقال: مذهبنا، ومذهب الجمهور، أن هذا النهي لكراهة التنزيه، ولا يحرم ذلك ما يصر مسكراً، وبهذا أيضاً قال جماهير العلماء. والدليل على ذلك: هو حمل أحاديث النهي عن الخليطين على الكراهة لا على التحريم، لأن الخلط في ذاته حلال، ولا يكون مسكراً بمجرد الخلط، لكن لما كان الخلط مظنة التغير سريعاً نهى عنه الشارع خشية أن يشربه الشارب ظاناً أنه ليس بمسكر، ويكون مسكراً.
3. الإباحة:
وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى وحكاه الخطابي، له سفيان رحمه الله تعالى. والدليل هو مذهب أبي حنيفة بالأثرِ والقياس.
– أما الأثر: “روي عن ابن زياد أنه قال: سقاني ابن عمر رضي الله عنهما، شربة ما كدتُ أهتدي إلى منزلي، فغدوت إليه من الغد، فأخبرته بذلك فقال: ما زدناك على عجوةٍ وزبيب “.
– القياس: وهو قياس الخليطين في الحل على المفرد في الحل أيضاً، وفي هذا قال النووي لعرضه لهذا الدليل، قالوا
“لا بأس به؛ لأن ما حل بمفرده حل مخلوطاً “.