ما هو تعريف البغي في الإسلام

اقرأ في هذا المقال


تعريف البغي

ويعرّف الفقهاء البغاة بأنهم الذين يخرجون على الإمام، ويخالفون الجماعة، وينفردون بمذهبٍ يبتدعونهُ؛ وذلك يكون بتأويلٍ سائغ مع وجود المتعة والشوكة لهم.

النصوص التي وردت في البغاة وحكمهم في قوله تعالى

لقد وردت نصوص كثيرة في القرآن والسنة تتحدث فيها عن البغاة وسنذكر دليل من القرآن ودليل من السنة على ذلك: أما من القرآن فقال تعالى: “وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” الحجرات:9.
أما من السنة: عن أنس وأبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيكون في أمتي اختلافٌ وفرقة يوم يحسنون القول، ويسيئون العمل، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شرُ الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قَتلهم كان أولى بالله منهم. ولم يختلف الصحابة رضي الله عنهم في قتال الفئة الباغية بالسيف إذا لم يردعها غيره فقد رأوا جميعاً قتال الخوارج.

كيف يختلف حكم البغاة باختلاف أحوالهم

إذا لم يخرجوا باعتقادهم عن المظاهرة بطاعة الإمام، ولم يتحيزُوا بمكانٍ يعتزلون فيه، وكانوا أفراداً تنالهم القدرة، وتحيط بهم يد الإمام، فإنهم يتركون دون حرب تجرى عليهم أحكام أهل العدل في الحقوق والحدود. وإن أظهروا اعتقادهم، مع بقائهم على اختلاطهم بأهل العدل، فإن الإمام يوضح لهم فسادِ ما اعتقدوا حتى يرجعوا إلى حظيرة الجماعة، واعتقاد ما هو الحق، ويجوز له في هذه الحالة إن أصروا على عنادهم، أن يُعزرهم بالعقوبة التي يراها مناسبة.
ولكن إذا اعتزلت الطائفة الباغية أهل العدل، وتحَيزت بمكان اعتزلت فيه، فإن لم تمتنع عن حق، ولم تخرج عن طاعة الإمام؛ فإنها لا تحارب ما دامت كذلك، فقد اعتزلت طائفة من الخوارج عليا بالنهروان، فولى عليهم عاملاً أطاعوه زمانا وهو لهم موادع، فيدل هذا على أن البغاة لا يحاربون ما داموا على طاعة الإمام ولو تَحيزوا بمكانٍ واعتزلوا فيه.

الفرق بين قتال أهل البغي وقتال المشركين المرتدين

  • أنه يجب في قتالهم أن يُقدم أعذارهم وإنذارهُم، وأن لا يهجم عليهم بغتةً، وأن يكون القصد من القتال هو الردع، دون أن يكون متعمداً لذاته، وذلك بخلاف قتال المرتدين والمشركين.
  • أن يقاتلوا ما داموا مقبلين على الحرب، فإن أدبروا فلا يقاتلون.
  • لا يجوز الإجهاز على جريحهم، بعكس جرحى المشركين والمرتدين، فـإن الإجهاز عليهم يجوز. وقد أمر على مناديه يوم أوقعه الجمل ينادي بأن لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح.
  • ومن أسر من أهل البغي في الحرب لا يقتل، وذلك بخلاف أسرى المشركين والمرتدين، ومن يكون منهم في الأسر إن أمنت رجعته إلى القتال، يطلق سراحه، وإن كان العكس يُحبس حتى تنتهي الحرب، ثم يطلق سراحه، ولا ينبغي أن يستمر حبسه بعد ذلك.
  • ومن الفروق أيضاً، أن أموال أهل البغي لا تغتنم، ولا تسبى ذريتهم وذلك لحديث “منعت دار الإسلام ما فيها، وأباحت دار الشرك ما فيها”.
  • وهنالك أيضاً أنه في قتال البغاة لا تنصب عليهم العرادات، ولا تحرق عليهم المساكن، ولا يُقطع شجرهم؛ لأن الحرب حصلت في دار الإسلام على كل حال، ودار الإسلام تعصم ما فيها. أما إذا أحاط البغاة بأهل العدل، وخيف منهم الصدام جاز لأهل العدل أن يدفعوا عن أنفسهم بما استطاعوا، فيكون لهم قتل أهل البغي، ونصب العرادات عليهم تأسيساً على أن للمسلم الدافع عن نفسه بالقتل إن لم يكن هناك مفر.

فيظهر لدينا أن البغاة يختلف حكمهم بحسب أحوالهم، وأنه هناك أحوالٍ يجوز للإمام تعزيرهم بالحبس وبغيره، بحيث أنه لا يصل إلى القتل. وهناك أحوال أخرى يجوز قتلهم كما في حالة الحرب، أو إذا خفيت عودتهم إليها على قول البعض، وفي بعضٍ الأحوال يكون قتلهم متعيناً إذا لم يندفع شرهم إلا به يسمى دفاعاً عن النفس.
ولعل طبيعة جريمة البغي، هي التي جعلت لها هذه الأحكام التي تتميز عن أحكام المشركين والمرتدين من جهة، وعن أحكام قطاع الطريق من جهةٍ أخرى، فأهل المال ليس غرضهم هو نهب المال، ولا قتل النفوس ظلماً، ولا أن يسعوا بالأرض الفساد، وليس جهادهم موجهاً للدين في حدّ ذاته، فهم مسلمون لا يشك أحدٌ بذلك، ولكنهم قوم قاموا في وجه الإمام، ينازعون السلطان، ويبغون تغيير النظام، لا قصدهم الإفساد في الأرض، لكن بتأويل سائغ دفعهم إلى موقفهم العدائي ممّن معه الحكم، يريدون بما يفعلونه الخير للإسلام في اعتقادهم، ولكن في الأصل غرضهم بعيد عن محيط الجريمة العادية، ونفوسهم ليس مجرمة، وإن كانت الشريعة الإسلامية قد قالت بقتال أهل البغي الذي قد ينتهي إلى قتلهم.


شارك المقالة: