حكم البكاء على الميت في الإسلام:
يصحُ للمسلم أن يبكي على الميت؛ وذلك لما وردَ عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: “شهدتُ بنتاً للنبي عليه الصلاة والسلام تُدفن ونبي الله محمد عليه الصلاة والسلام جالسٌ عند القبر، فرأيتُ عينيهِ تدمعانِ” رواه البخاري.
والبُكاء الذي مُنعهُ الإسلام هو بكاء النُواح، والنواح هو رفعُ الصوتِ عند البكاء وشقّ الثوب ولطم الخدّ، وهذا ممنوعٌ في الشريعة الإسلامية، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: “ليس منا من لطم الخدود، أو شقّ الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية، ويقول عليه الصلاة والسلام: أنا بريءٌ من الصالقة والحالقة والشاقة”
وتسمى الصالقة: وهي المرأة التي ترفع صوتها عند حُلول مُصيبة ما، أمّا الشاقة، وهي التي تشقُ ثوبها عند حلول المُصيبة، أمّا الحالقة، وهي التي تحلقُ شعرها عند المُصيبة أو تنتقيه. أمّا دمعُ العين والبُكاء بدمع العين فهذا الأمرُ لا بأس فيه، فيقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح حينما توفي ابنه إبراهيم عليه السلام.
فعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مَعَ رَسُولِ عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْراً لإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم، فَأَخذ رَسولُ إِبرَاهِيمَ فقَبله وشمّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعدَ ذَلِكَ، وَإِبرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ: “يَا ابْنَ عَوْفٍ، إِنَّهَا رَحْمَةٌ”. ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ”. متفق عليه، ويقول عليه الصلاة والسلام: “إنّ الله لا يُعذب إمرءٍ بدموع عينه ولا بأحزانِ قلبه ولكن يُعذب بهذا أو يُرحم وأشار إلى لسانهِ صلوات الله عليه” متفق عليه.
فمن المُحرّم أن يُرفع الصوت باللسانِ، وهو النواح أو النياحة، أمّا إن كان البكاء بدون رفع الصوت فلا حرج فيه.
إنّ الموت أمرٌ لا مفرّ منه لأي إنسانٍ كان على وجه الأرض، وهو مصيبةٌ لكلّ إنسان يفعل الخيرُ والأعمال الصالحة لكي يفوز بالجنة ونعيمها وكل ما وعده الله فيها، ونهى الإسلام عن البكاء واللطم والنحيب، ولكن يجب على كل مسلم أن يدعو للميت بالرحمةِ والمغفرة.
لقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام : “أنه فاضت عيناهُ حينما رفع إليه ابن ابنتهِ كأنه شن، فقال له سعد يا رسول الله ما هذا، فقال: هذه رحمةً جعلها الله في قلوب عباده وإنّما يَرحمُ الله من عبادهِ الرحماءِ”. ونستدلُ من الحديث بأنه يجوز البكاء على الميت من غير صوت، وذلك تعبيراً عن الحُزن على فقدان الحبيب، وذلك رحمةً من الله بقلوب عبادهِ.
رأي العلماء في حكم البكاء على الميت:
لقد جمع عُلماء الدين الإسلامي بأنه حينما يبكي المسلم ويندب فإنهُ يُعتبر حراماً شرعاً، أما البكاء بدون ندبٍ أو صوت مرتفع فذلك لا يُعتبر حراماً.
وإنّ أوصى المسلم أحبابهُ بالبُكاءِ بصوتٍ مُرتفع والندبِ عليه حينما يموت، فذلك يؤدي إلى تعذيب الميت حينما يموت في قبره، وذلك بدليل حديث النبي عليه الصلاة والسلام: “إنّ الميت يُعذب ببكاءِ أهلهِ”. إنّ هذا الحديث وقع محطّ جدالٍ، حيثُ أنّ علماء الدين قالوا: أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها أنكرت أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال ذلك، ولكن عندما مرّ النبي عليه الصلاة والسلام على جنازةٍ يهودية، قال عليه الصلاة والسلام: “إنّهم ليبكون عليها وإنّها لتُعذب في قبرها”.
لقد وضحت السيدة عائشة رضي الله عنها، أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال ذلك بسبب أنّ اليهود سوف تُعذب من وراء كفرها وجحدها وليس بسبب بكائها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنّ النبي صلى اللّهُ عَليهِ وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال: “استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت” رواه مسلم.
وهناك بعض الأدعية التي يتوجب على المسلم أن يدعوها للميت منها: “اللهم إنّ فلان بن فلان في ذمّتك وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النّار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له وارحمه فإنك أنت الغفور الرحيم”.
وكان لأبي هريرة دعاءً يقولُ فيه: “اللهم إنهُ عبدك وابن عبدك وابنُ أمتك، وأنّه كان يشهدُ أنّ لا إله إلّا أنت وأنّ محمداً عبدك ورسولك وأنت أعلمُ به، اللهم إنّ كان مُحسناً فزد في إحسانه، وإنّ كان مُسيئاً فتجاوز عن سيئاتهِ، اللهم لا تحرمنا أجرهُ ولا تفتنا بعدهُ”.
وأيضاً دعا الرسول عليه الصلاة والسلام في جنازة فقال: “اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت رزقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء له فاغفر له ذنبه”.