حكم الخشوع في الصلاة:
إنّ حكم الخشوع في الصلاة واجبٌ على الصحيح، وذلك باالأدلة التالية:
أولاً: قال الله تعالى: “وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ” البقرة:45. فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهُ الله: “وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين، وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دل ذلك على وجوب الخشوع، فثبت أن الخشوع أن الخشوع واجب في الصلاة.
ثانياً: قال الله تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ – الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ – وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ – والذين هُم للزكاةِ فاعلونَ – والذين هم لفروجهم حافظون- إلّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غيرُ ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هُمُ العَادُون – والذين هُم لأماناتهم وعهدهم راعونَ – والذين هُم على صلواتهم يحافظون – أولئك هُم الوارِثُون – الذين يَرِثُون الفِردَوس هم فيها خالِدون” المؤمنين:1-10.
فقال شيخ الإسلام ابن تيميةَ رحمهُ الله: إن حكم الخشوع يقتضي أنه لا يرثها غيرهم، وقد دلّ هذا على وجوب هذه الخِصال، إذ لو كان فيها ما يُستحب لكانت جنة الفردوس تورث بدونها؛ لأنّ الجنة تنالُ بفعلِ الواجباتِ دون المُستحبات، ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو هو واجب، وإذا كاالخشوع في الصلاة واجباً، فالخشوعُ يتضمنُ السكينةَ، والتواضع جميعاً، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حالة ركوعهِ: اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ ولك أسلمتُ خشعَ لك سمعي وبصري، ومُخّي وعظمي وعصبي، فوصفَ نفسهُ بالخشوع في حالِ الركوعِ؛ وذلك لأنّ الراكع ساكن متواضع.
ثالثاً: ما الذي يدلُ على وجوب الخشوع في الصلاة: إنّ الله تعالى ينصرف عن من التفت فيهل لغيرِ حاجةٍ؛ وذلك لحديث أبي ذر رضي الله عنها، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “لا يزالُ الله مُقبلاً على العبد في صلاتهِ، ما لم يلتفتُ، فإذا التفت انصرف عنهُ” وهذا لفظ أبي داود، ولفظ النسائي وأحمد: “لا يزالُ الله مُقبِلاً على العبد في صلاتهِ، ما لم يلتفتُ، فإذا صرفَ وجهَهُ انصرف عنهُ” رواه أبو داود.
رابعاً: إنّ ما يدلُ على وجوب الخشوع أيضاً: حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه الطويل عن النبي عليه الصلاة والسلام وفيه ما يلي: “وإنَّ الله أمركم بالصَّلاة، فإذا صَلَّيتُم فلا تَلتَفِتوا؛ فإنَّ اللهَ يَنصُبُ وجهَه لوجهِ عبدِه في صلاتِه ما لم يَلتفِتْ”. رواه الترمذي. أما لفظ أحمد كان: “وآمرُكم بالصلاة؛ فإنّ الله ينصبُ وجهه لوجهٍ عبدهُ مالم يلتفتُ، فإذا صليتم فلا تلتفتوا”.
خامساً: ويدلُ على وجوب الخشوع أيضاً حديث جابر بن سمرة رضي الله عنها قال: خرجَ علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: “ما لِي أراكُم رافِعِي أيديكم كأنَها أذنابُ حيلٍ شُمسٍ، اسكنوا في الصلاة”.
سادساً: أيضاً إنّ ما يدل على وجوب الخشوع في الصلاة قوله تعالى: “فويلٌ للمُصَلّينَ – الذينَ هُم عن صلاتِهم ساهون” الماعون:4-5. قال الإمام ابن القيم رحمهُ الله: وليس السهو عنها تركها، وإلا لم يكونوا مصلين، وإنما هو السهو عن واجبها: إما عن الوقت كما قال ابن مسعود وغيره، وإما عن الحضور والخشوع، والصواب أنهُ يعمّ النوعين؛ فإنه سبحانهُ أثبت لهم صلاة، ووصفهم بالسهو عنها، فهو السهو عن وقتها الواجب، أو عن إخلاصها وحضورها الواجب؛ لذلك وصفهم، ولو كان السهو تركاً لما كان هناك رياء.
لقد سئلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عن وسواس الرجل في صلاتهِ، وما حد المبطل للصلاة؟ وما حدّ المكروهُ منه، وهل يُباح منه شيء في الصلاة، وهل يعذب الرجل في شيء منهُ، وما حدّ الإخلاص في الصلاة، وقول بعض السلف: ليس لأحدكم من صلاتهِ إلا ما عقلَ منها؟ فأجاب وقال: الحمد لله، الوساوس نوعان:
– لا يمنعُ ما يُؤمرُ به من تدبر الكلم الطيب، والعمل الصالح الذي في الصلاة، بل يكون بمنزلة الخواطر، فهذا لا يُبطل الصلاة، لكن من سلمت صلاتهُ منه فهو أفضلُ ممن لم تسلم منه صلاته، الأول شبه حال المقربين.
– شبه حال المقتصدين.
– وهو ما منع الفهم، وشهود القلب، بحيث يصيرُ الرجل غافلاً، فهذا لا ريب أنه يمنع الثواب، كما روى أبو داود في سننهِ، عن عمار بن ياسر عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إنذ إنّ الرجل لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلّا ثُلثها، إلا ربعها إلا خُمسها إلّا، حتى قال إلّا عُشرها” فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه قد لا يكتب له منها إلا العشر.
وقال ابن عباس: ليس لك في صلاتكَ إلا ما علقت منها، ولكن هل يُبطل الصلاة ويوجب الإعادة؟ فيه تفصيل، فإنه إن كانت الغفلة في الصلاة أقل من الحضور، لم تجب الإعادة، وإن كان الثواب ناقصاً، فإنّ النصوص تواترت على أنّ السهو لا يبطل الصلاة، وإنما يُجبر بعضهُ بسجدتي السهو، وأما إنّ غلبت الغفلة على الحضور، وفي هذا فللعلماء قولان وهما:
الأول: لا تصحُ الصلاة في الباطن، وإن صحت في الظاهر، مثل حقن الدم؛ لأنّ مقصود الصلاةِ لم يحصل، فهو شبيه صلاة المرائي، فإنهُ بالاتفاق لا يبرأ بها في الباطن، وهذا قول أبي عبد الله ابن حامد، وأبي حامد الغزالي وغيرهما.
الثاني: تبرأ ذمة، فلا تجب عليه الإعادة، وإنّ كان لا أجر له فيها ولا ثواب، بمنزلة صوم الذي لم يدع قول الزور والعمل به فليس له من صيامه إلّا الجُوع والعطش.