حكم الخلع في الإسلام:
الخلع: وهو مأخوذ من الخاء واللام والعين أصل واحد مطرد. وهو مزايلة الشيء الذي كان يشتمل به أو عليه. نقول: خلعتُ الثوب، أخلعهُ خلعاً. وخلع الوالي يخلعُ خلعاً، وخالعت المرأة زوجها وقد اختلعت، أي افتدت نفسها منه بشيء تبذلهُ فهي خالع.
والخُلع اصطلاحاً: يأتي على معنى النزع والتجريد والإزالة، فخلع الرجل ثوبه، أي أزاله، وفي حديث كعبُ بن مالك رضي الله عنه: “إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً” أي أتجردُ. وفي الحديث: “من خلعَ يداً من طاعة لقي الله لا حجة له” صحيح مسلم. وقد أجاب فريقٌ من العلماء عن إشكال ضم أول الخلع خلافاً للقياس بأنّهُ مصدر ضم أوله للتفرقة بين الإزالة الحسية والمعنوية، فبالفتحِ تستعمل في الإزالة الحسية وبالضم تستعمل في الإزالة المعنوية.
تعريف الخلع عند أصحاب المذاهب الأربعة:
قال الحنفية: بأنه عبارة عن إزالةِ مُلك النكاح التي تتوقفُ على قبول الزوجة بلفظ الخلع أو ما يُشبهُ معناه. وقد ذهب بقوله مُلك النكاح، الخلع في النكاح الغير صحيح والفاسد، والخلع بعد البينونة والردة. وخرج بقوله، المتوقفة على قبولها، ما لو قال لها: خلعتك وهو ينوي الطلاق، فإنه يقع بائناً غير مسقط للحقوق. وخرج بقوله بلفظ الخلع الطلاق على مال. وزاد قوله أو ما في معناه ليدخل لفظ المباراة أو المفارقة والمباينة فكلها من ألفاظ الخلع. وأفاد التعريف صحة خلع الطلقة رجعياً، لكون ملك النكاح ما زال باقياً عند المطلقة رجعياً.
أمّا المالكية: فقد عرف الدردير الخلع بأنّهُ: الطلاق بعوضٍ أو بلفظةٍ، فقوله: طلاق شمل الطلاق بألفاظه الصريحة والكنائية. وخرج بقوله: الطلاق بعوض، الطلاق بدون عوض وبلفظ الخلع، وعلى ذلك فالخلع عندهم نوعان وهما: ما كان نظيرُ عوض. وما كان بلفظ الخلع والطلاق على مال.
أمّا تعريف الشافعية: يقول ابن شهاب الدين الرملي في تعريف الخلع: هو فُرقة بعوض مقصود بلفظ طلاق أو خلع راجع لجهة الزوج، وقوله “فرقة” أي بلفظ طلاق سواء كان صريحاً أو كنايةً. وقوله “لجهة الزوج” وهو قيد ثانٍ؛ لأنّ العوض إنّما يكون للزوج أو لسيده وقوله أيضاً مقصود، أي ذو منفعة فيها مقصودة كالحشرات الضارة مثلاً.
أمّا الحنابلة: لقد عرف فقهاء الحنابلة الخلع بأنه هو فراقُ الزوج لزوجته بعوض ألفاظ مخصوصة. يعني فراق الزوج لزوجته بعوض يأخذهُ منها زوجها بألفاظٍ معينة وهي قسمان: الأول: صريحة في الخلع، مثل المفاداة والخلع والفسخ. والثاني كناية في الخلع مثل المباراة والمباينة والمفارقة. ونهاية تعريف الخلع تقتصر على أنّ الخلع لا يكون عندهم إلّا بعوض، وهو رواية عن أحمد، وكانوا يفرقون بين الخلع والطلاق على طريق المال.
أدلة مشروعية الخلع:
إنّ الخلع ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وهي كما يلي:
أولاً: في كتاب الله تعالى : “الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” البقرة:229.
ووجه الدلالة في هذه الآية: أنّه لا يحلّ للزوج أن يأخذ من زوجته مالاً تملكهُ إلا في حال الخوف من عدم إقامة حدود الله وأداء الحقوق الزوجية فيما بينهما. مثل بُغض المرأة لزوجها أو سوء سلوكها في بيتها، ففي هذه الحالة للزوج أن يأخذ من زوجته مالاً لتملك عصمتها.
وقال تعالى أيضاً: “ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” النساء:19.
ووجه الدلالة من الآية الكريمة أنّه لا يجوز للرجال أن يضاروا بزوجاتهم، حتى يفتدين منهم، إلّا إذا أتت بفاحشة من زنا أو مُطلق العصيان على خلاف، فحينئذٍ يجوز للرجل مفارقتها مقابل استرجاع ماله الذي أعطاها إياه.
ثانياً: أما السنة: فقد ذكر أهل الحديث روايات كثيرة في مشروعية الخلع وهي وإنّ كانت معظمها تدور حول قضية معينة وهي: خلع امرأة جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم تشكو زوجها؛ إلّا أنّها تختلف فيما بينها من حيث زيادة ألفاظ في بعضها أو اختلاف في سبب شكواها منه وهي:
– روى البخاري عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أتت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: أتردينَ عليه حديقته، قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقبل الحديقة وطلّقها تطليقةً”.
ومعنى “الكفر “في الحديث هو: كفر العشير؛ لأنّها خافت إن بقيت على عصمة زوجها أنّ لا يُقيم حدود الله في صحبتها، ولأنّها لا تقدر أن تؤدي واجباتها نحو زوجها وهذا لا يجوز في الإسلام، وخوفاً من ذلك الأمر طلبت الفرقة.
-عن ابن عباس روى أن جميلة بنت أبي بن سلول كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، فنشزت عليه، فأرسل إليها رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: “يَا جَمِيلَةُ، مَا كَرِهْتِ مِنْ ثَابِتٍ؟” فقالت: والله ما كرهْتُ منه شيئًا إلا دمامته، فقال لها: “أتَرُدِّين عَليه حَدِيقَتَهُ؟” قالت: نعم، ففرَّق بينهما”.
فقال ابن عباس: فقد كان أوّل خُلْع كان في الإسلام أخت عبد الله بن أبيّ، وقال ابن عبد البر: هكذا روى البصريّون، وخالفهم أهلُ المدينة، فقالوا: إنها حبيبة بنت سهل الأنصاريّة، ثم قال: وجائزٌ أنْ تكون حبيبة هذه، وجميلة بنت أُبيّ ابن سلول اختلعتا من ثابت بن قيس بن شماس.
ثالثاً: الإجماع: فقد أجمعَ الفقهاء على مشروعية الخلع وما شذّ إلا بكر بن عبد الله المزني، فإنّهُ مردود بالكتاب والسنة. وقال العيني: أنّ العلماء أجمع على مشروعية الخلع إلا بكر بن عبد الله المزني. ثم نقل عن ابن عبد البر قوله في الكلام حول ما ذهب إليه المزني، فقال: هذا خلافُ السّنة الثابتة في قصة ثابت وحبيبة بنتُ سهل، وخالف جماعة الفقهاء والعلماء بالحجاز والعراق والشام. وقال ابن قدامة في الخلع: وهو قول عمر وعثمان، وهو أنه لم نجد لهم في عصرهم مخالفاً فيكون إجماعاً. وقال ابن حجر: أنّه أجمع العلماء على مشروعية الخلع إلّا بكر بن عبد الله المزني التابعي المشهور.
لقد ذكر الطبري عن عقبة بن أبي الصهباء أنهُ قال: سألتُ بكر بن عبد الله المزني عن رجل تريد امرأتهُ منه الخلع، فقال: لا يحلُ له أن يأخذ شيئاً، قلت: يقول الله تعالى ذكره في كتابه: “فلا جُنَاحَ عَليهِمَا فيمّا افتدت بِه” البقرة:20. قال: هذه نسخت، فأنى حفظت؟ قال: حفظت في سورة النساء في قول الله تعالى: “وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا” النساء:20.